استثمارات الذكاء الاصطناعي بين الواقع والوهم

وكالة أنباء آسيا

2025.09.10 - 09:35
Facebook Share
طباعة

 لم تعد النقاشات حول الذكاء الاصطناعي محصورة بالعلماء والمبرمجين، بل باتت تشغل كبرى المؤسسات المالية والاقتصادية في العالم. فمع الارتفاع الجنوني في تقييمات شركات التكنولوجيا، يزداد القلق من أن يتحول الاستثمار في الذكاء الاصطناعي إلى فقاعة مالية جديدة، تهدد أسواق المال والاقتصاد العالمي كما حدث مع فقاعة الإنترنت مطلع الألفية.


تقرير موسع نشرته مجلة إيكونوميست أضاء على هذه المخاوف، مشيرًا إلى أن القيمة السوقية للأسهم الأميركية ارتفعت منذ إطلاق "شات جي بي تي" في 2022 بما يزيد عن 21 تريليون دولار. لكن اللافت أن 10 شركات فقط – بينها أمازون، ميتا، إنفيديا وبرودكوم – استحوذت على 55% من هذه المكاسب، ما يعكس تمركز العوائد في أيدي عدد محدود من اللاعبين الكبار.


استثمارات ضخمة وإيرادات محدودة
خلال النصف الأول من 2025، شكّلت استثمارات تكنولوجيا المعلومات المحرك الأساسي لنمو الناتج المحلي الأميركي. وحدها شركات الذكاء الاصطناعي حصلت على ثلث التمويل الاستثماري المغامر في الغرب هذا العام. غير أن الصورة من زاوية العوائد تبدو أقل بريقًا: إذ لا تتجاوز الإيرادات السنوية لهذه الشركات 50 مليار دولار، أي أقل من 2% من حجم الاستثمارات المتوقعة في مراكز البيانات عالميًا (2.9 تريليون دولار بين 2025 و2028 بحسب تقديرات مورغان ستانلي).


تقرير لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا كشف أن 95% من المؤسسات لم تحقق أي عائد من استثماراتها في الذكاء الاصطناعي التوليدي حتى الآن، ما يضاعف الشكوك بشأن الجدوى الاقتصادية لهذه الطفرة.


تحذيرات متزايدة
شركات استثمارية كبرى حذّرت من تفاقم التقييمات. بنك "يو بي إس" أشار إلى أن الأسواق "تضيء باللون الأحمر"، فيما شبّه اقتصاديون في مؤسسة أبولو الوضع الحالي بأسهم شركات الإنترنت عام 1999. حتى سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـ"أوبن إيه آي"، اعترف بوجود "مبالغة في الحماس" تجاه الذكاء الاصطناعي، في إشارة إلى أن الواقع التجاري والتقني لا يوازي الضجة الإعلامية والاستثمارية.


لكن تجارب التاريخ تُظهر أن الفقاعات ترافق عادة الابتكارات الكبرى: من السكك الحديدية في القرن التاسع عشر إلى الكهرباء في مطلع القرن العشرين. ورغم الخسائر التي لحقت بالمستثمرين آنذاك، فإن التكنولوجيا نفسها واصلت مسارها وغيّرت وجه العالم.


عوامل الانفجار المحتمل
بحسب إيكونوميست، يتوقف حجم الانهيار – إن وقع – على أربعة عوامل: الشرارة الأولى، طبيعة رأس المال، ديمومة الأصول، وهوية من يتحمل الخسائر.


الشرارة الحالية تقنية صرفة بدأت من ورقة بحثية عام 2017 وصولًا إلى إطلاق "شات جي بي تي"، لكن الحكومات سرعان ما أضافت البعد السياسي، إذ تعهّدت واشنطن بدعم الهيمنة الأميركية، بينما تضخ دول الخليج استثمارات هائلة في هذا القطاع.


الأصول الممولة، مثل شرائح إنفيديا، سريعة التقادم بعمر لا يتجاوز 9 سنوات، مقارنة بـ15 عامًا لأصول الاتصالات في التسعينيات.


مصادر التمويل: نصف الاستثمارات المقبلة سيموَّل من التدفقات النقدية للشركات التكنولوجية العملاقة، وهي شركات قوية ماليًا ولا تشكل ديونها المباشرة أكثر من 2% من سوق السندات الاستثمارية.


هوية الخاسرين: في حال انفجار الفقاعة، ستتركز الخسائر على صناديق التقاعد والأسر الغنية، ما يقلل احتمالات انهيار النظام المالي، لكنه قد يضرب الاستهلاك الأميركي بشدة.


انعكاسات اقتصادية محتملة
تشير التقديرات إلى أن الأسهم تشكل اليوم نحو 30% من صافي ثروة الأسر الأميركية، مقارنة بـ26% عند ذروة فقاعة الإنترنت عام 2000. وبحسب "أوكسفورد إيكونوميكس"، فإن كل دولار يتغير في الثروة المالية ينعكس على الاستهلاك بنحو 14 سنتًا. وهذا يعني أن أي هزة في أسهم الذكاء الاصطناعي قد تتحول سريعًا إلى تباطؤ اقتصادي واسع.


بين الطموح والواقع
الوعود المرتبطة بالذكاء الاصطناعي ضخمة: من تحسين الإنتاجية إلى إعادة تشكيل أسواق العمل، لكن المخاطر تكمن في أن يتحول إلى "تشتيت مرحب به"، كما تقول إيكونوميست، عن التحديات الأعمق التي تواجه الاقتصاد الأميركي، من الديون الهائلة إلى التوترات التجارية.


السؤال المطروح إذن: هل يمثل الذكاء الاصطناعي ثورة حقيقية تغير قواعد اللعبة كما فعلت الكهرباء والإنترنت، أم أنه فقاعة مالية جديدة في طور التكوّن؟ الإجابة قد لا تأتي قريبًا، لكن المؤكد أن العالم يقف على أعتاب مرحلة دقيقة، يتداخل فيها الابتكار مع المخاطرة، والحماس مع الحذر.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 3