في تطور صادم وغير مسبوق، امتدّت نيران الصراع في غزة إلى قلب العاصمة القطرية الدوحة، حيث استهدفت طائرات إسرائيلية – بحسب ما أعلنته وسائل إعلام عبرية وعربية – وفد حركة حماس المفاوض أثناء اجتماع حول مقترح لوقف إطلاق النار طرحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب. الهجوم الذي وقع في حي كتارا أثار عاصفة من الإدانات والجدل، فيما اعتبرته قطر "اعتداءً جبانًا" و"انتهاكًا خطيرًا للقوانين الدولية".
تفاصيل الهجوم: من الإعداد إلى التنفيذ
أفادت قناة "كان" الإسرائيلية أن تل أبيب أبلغت واشنطن مسبقًا بنيتها استهداف قيادات حماس في الدوحة، في خطوة وصفها مراقبون بأنها محاولة لتأمين غطاء سياسي قبل تنفيذ العملية.
الضربة جاءت بينما كان وفد حماس يجتمع لمناقشة مقترح ترامب بشأن وقف إطلاق النار في غزة وصفقة تبادل الأسرى.
الهجوم استهدف مباني سكنية في حي كتارا، وهو أحد أكثر أحياء العاصمة القطرية حيوية، ما أدى إلى وقوع انفجارات هزت المنطقة وأثارت حالة من الذعر بين السكان. المصادر الإسرائيلية أكدت مقتل القيادي البارز خليل الحية، إلى جانب عضو المكتب السياسي زاهر جبارين، في حين رجحت تقارير أن يكون القيادي خالد مشعل حاضرًا الاجتماع المستهدف، الأمر الذي أثار تساؤلات عن حجم الخسائر داخل صفوف الحركة.
قطر في قلب العاصفة: إدانة وغضب رسمي
رد الدوحة جاء سريعًا وعنيف اللهجة، إذ أدانت وزارة الخارجية القطرية الغارة بأشد العبارات، ووصفتها بأنها "جريمة جبانة" و"اعتداء إجرامي" يستهدف استقرار دولة آمنة. البيان أشار إلى أن ما حدث يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والأعراف الدبلوماسية، ويشكل تهديدًا مباشرًا لحياة القطريين والمقيمين على أراضي الدولة.
على الصعيد الميداني، أعلنت السلطات أن فرق الدفاع المدني والأجهزة الأمنية تحركت على الفور لاحتواء آثار الانفجارات، وإجلاء السكان من الأبنية المتضررة، وفتح تحقيق عاجل حول تداعيات العملية. هذا الموقف عكس حجم الصدمة التي تلقّتها قطر، الدولة التي لطالما لعبت دور الوسيط بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، لتجد نفسها فجأة هدفًا مباشرًا في الصراع.
الأبعاد الإقليمية والدولية للهجوم
الضربة الإسرائيلية في قلب الدوحة لم تُقرأ فقط باعتبارها عملية عسكرية محدودة، بل باعتبارها رسالة سياسية ذات أبعاد إقليمية.
في واشنطن، اكتفت مصادر بالتأكيد أن الإدارة الأميركية كانت على علم مسبق بالعملية، من دون أن يصدر أي موقف رسمي يدين أو يبارك، وهو ما اعتبره محللون دليلاً على ارتباك أميركي في التعامل مع تطور غير مسبوق يضرب حليفًا استراتيجيًا في الخليج.
إيران سارعت إلى التنديد بالهجوم ووصفته بأنه "انتهاك فاضح"، معتبرة أن توسيع إسرائيل نطاق ضرباتها ليشمل قطر ينذر بتفجير المنطقة بأسرها.
دول عربية أخرى التزمت الحذر، لكن أوساط دبلوماسية أشارت إلى أن استهداف عاصمة خليجية من شأنه أن يضع المنطقة أمام اختبار غير مسبوق، خاصة أن قطر تستضيف المفاوضات التي يفترض أن تكون مدخلًا لحل الأزمة.
تداعيات خطيرة على مسار المفاوضات
كان من المفترض أن يشكل اجتماع وفد حماس في الدوحة خطوة متقدمة نحو بحث مقترح ترامب لوقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى. غير أن استهداف الاجتماع نفسه ألقى بظلال كثيفة على فرص نجاح المبادرة.
1. المسار التفاوضي في مهب الريح: الضربة اعتُبرت رسالة إسرائيلية واضحة بعدم الرغبة في منح حماس فرصة لترتيب صفوفها عبر القنوات الدبلوماسية.
2. مستقبل الوساطة القطرية: الدوحة التي لعبت دور الوسيط المحوري منذ سنوات باتت الآن طرفًا متضررًا، الأمر الذي قد يضعف موقعها كجسر تفاوضي مقبول من الطرفين.
3. توسيع رقعة الحرب: انتقال الضربات إلى قطر يعني أن مسرح الصراع لم يعد مقتصرًا على غزة ولبنان وسوريا، بل امتد إلى منطقة الخليج، ما يفتح الباب لاحتمال تدويل الأزمة بشكل أكبر.
قطر بين الوساطة والتهديد المباشر
منذ حرب غزة عام 2008، احتفظت الدوحة بدور محوري في تقريب المواقف بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، كما كانت وجهة رئيسية لقيادات حماس، سواء للإقامة أو للتفاوض. غير أن الهجوم الأخير يطرح تساؤلات حول قدرة قطر على الاستمرار في لعب هذا الدور، خصوصًا في ظل تحوّلها من وسيط إلى ساحة مواجهة مفتوحة.
في هذا السياق، يعتقد محللون أن إسرائيل تعمدت توجيه ضربة في الدوحة لإرسال رسالة مزدوجة: الأولى لحماس مفادها أن قياداتها ليست في مأمن حتى في الخارج، والثانية لقطر نفسها بأن استضافتها لقيادات الحركة يعرّضها لضغوط سياسية وأمنية مباشرة.
استهداف وفد حماس في الدوحة يمثل سابقة خطيرة في مسار الحرب، حيث لم يعد الصراع محصوراً في جغرافيا غزة أو لبنان، بل بات يمتد إلى عواصم تُعتبر تقليدياً مناطق آمنة للتفاوض. وبينما تحاول الدوحة احتواء آثار الهجوم، يبقى السؤال الأبرز: هل نشهد انزلاق الأزمة نحو مواجهة إقليمية شاملة، أم أن الأطراف ستسعى لوقف التصعيد قبل فوات الأوان؟