هل يظل مستقبل اليمن رهيناً لتاريخ من الانقسامات؟

متابعات _ وكالة أنباء آسيا

2025.09.09 - 03:52
Facebook Share
طباعة

يقف اليمن في تاريخه الحديث عند مفترق طرق، فقد عرف مراحل متعاقبة من التحولات السياسية والعسكرية، وتعرض لانقسامات داخلية وتدخلات إقليمية منذ سقوط نظام الإمامة عام 1962، لم ينجح في بناء دولة مستقرة ذات مؤسسات راسخة، وإنما عاش صراعات متواصلة ساهمت في إضعاف البنية الوطنية.
قراءة التجربة اليمنية تكشف أن الحاضر مرتبط بمسار طويل من التوترات التاريخية.

الإمامة والقبيلة:
ظل شمال اليمن محكوماً بنظام الإمامة الزيدية، وهو نظام ارتبط بالشرعية الدينية والتحالفات القبلية استمر هذا الوضع قروناً، ونتج عنه سلطة مركزية محدودة النفوذ.
في المقابل، خضع الجنوب للحكم البريطاني في عدن منذ القرن التاسع عشر، ما أوجد نموذجاً مختلفاً في الإدارة وأساليب الحكم.

ولادة الجمهورية:
شهد عام 1962 قيام الجمهورية بعد إسقاط حكم الإمامة في الشمال الصراع الذي تلا ذلك بين الجمهوريين المدعومين من مصر والملكيين المدعومين من السعودية أظهر هشاشة التجربة الوليدة.
انتهت الحرب في 1970، لكن الدولة بقيت ضعيفة، تعتمد على التوازنات القبلية أكثر من اعتمادها على المؤسسات المدنية.

دولتان متباينتان:
في الجنوب تأسست جمهورية ذات توجه اشتراكي عقب الاستقلال عن بريطانيا عام 1967 اعتمدت هذه الدولة على دعم الاتحاد السوفيتي، بينما اتسم الشمال بارتباطه بالقبيلة وبنهج محافظ الاختلاف في الهوية السياسية والفكرية قاد إلى توترات وصدامات متكررة بين الشطرين.

الوحدة والصراع الداخلي:
أُعلنت الوحدة بين الشمال والجنوب عام 1990 في إطار مشروع قومي واسع، لكن بعد أربع سنوات اندلعت حرب أهلية انتهت بسيطرة صنعاء على الجنوب، آثار الحرب تركت شعوراً متزايداً بالتهميش في الجنوب، وأسست لعودة النزعات الانفصالية لاحقاً.

الحوثيون وصعود قوة جديدة:

برزت في التسعينيات حركة "الشباب المؤمن" في صعدة، ثم تحولت إلى جماعة مسلحة بقيادة حسين بدر الدين الحوثي خاضت هذه الجماعة ست حروب مع نظام علي عبد الله صالح بين 2004 و2010. المفارقة أن صالح تحالف معهم بعد احتجاجات 2011، ثم دخل معهم في صراع انتهى بمقتله في 2017.

انهيار الدولة وتعدد مراكز السلطة:
في 2014 سيطر الحوثيون على صنعاء، فتراجعت سلطة الدولة المركزية بشكل كبير. تدخل التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات عام 2015 لدعم الحكومة المعترف بها دولياً، في الوقت نفسه برز المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن بدعم إماراتي، وأصبح المشهد مقسماً بين قوى متعددة تتقاسم النفوذ.

الكارثة الإنسانية:
الأزمة التي يعيشها اليمن منذ سنوات صنفت من بين الأشد عالمياً ملايين السكان يواجهون نقص الغذاء والدواء، مئات الآلاف نزحوا من مناطقهم، والبنية التحتية تضررت بصورة واسعة القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والخدمات الأساسية انهارت، ما أثر في جيل كامل نشأ وسط النزاع.
المسار التاريخي يظهر أن اليمن ظل محكوماً بصراع على السلطة يعتمد على الولاءات القبلية أكثر من المؤسسات الوحدة لم تنجح في دمج الهويات المختلفة، والحركات المسلحة أعادت إنتاج الانقسامات التاريخية، إضافة إلى ذلك، الموقع الاستراتيجي لليمن عند باب المندب جعله موضع اهتمام القوى الإقليمية، وهو ما ساهم في زيادة تعقيد الوضع الداخلي.

هذا الوضع المعقد نتج عن تداخل عوامل داخلية وخارجية. من الإمامة إلى الجمهورية، ومن الوحدة إلى الانقسام، ومن الحروب الداخلية إلى التدخلات الإقليمية، بقيت الدولة عاجزة عن تحقيق الاستقرار.
مستقبل اليمن يظل مرتبطاً بقدرة أبنائه على تجاوز تراكمات الماضي، وبمدى استعداد القوى المختلفة للبحث عن صيغة شاملة تؤسس لبناء دولة جامعة. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 9