في تطور لافت داخل المشهد الإسرائيلي، أعلن وزير الخارجية جدعون ساعر أن إسرائيل «مهتمة بإنهاء الحرب» استناداً إلى مقترح قدّمه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، مشدداً في الوقت نفسه على أن أي حل يجب أن يتوافق مع المبادئ التي أقرتها مؤسسات الأمن القومي والحكومة. هذه الصياغة الدقيقة لم تأتِ عفواً، بل تمثل أول إشارة وزارية رسمية واضحة إلى قبول مشروط لمبادرة أمريكية، وهو ما يعكس جدلية دقيقة بين رغبة في فتح نافذة سياسية وبين تمسك بخطوط حمراء أمنية صارمة.
المقترح الأمريكي، بحسب التسريبات الصحفية الغربية، لا يقتصر على وقف إطلاق نار مؤقت بل يتضمن ترتيبات متشابكة تبدأ بتبادل الرهائن والأسرى، مروراً بفتح معابر إنسانية تحت إشراف دولي، وصولاً إلى ترتيبات أكثر حساسية تتعلق بتقييد قدرات حماس العسكرية، أو حتى خطوات تدريجية لتفكيك بنيتها القتالية. وعلى الرغم من أن هذه البنود لا تزال محل جدل وغموض، إلا أن مجرد قبول إسرائيل مبدئياً بفكرة النقاش حولها يعد تحولاً مهماً في خطابها الرسمي الذي طالما أصر على الحسم العسكري الكامل.
تصريحات ساعر تكشف عن موازنة دقيقة: فمن جهة، تسعى إسرائيل إلى إرسال رسالة طمأنة للمجتمع الدولي، مفادها أنها لا ترفض الحلول السياسية وأنها مستعدة للانخراط في أي مقترح يضمن أمنها. ومن جهة أخرى، يصرح الوزير بوضوح أن المصلحة الأمنية تبقى حجر الأساس، بما يمنح الحكومة هامشاً واسعاً للتراجع أو التعديل متى ما رأت أن الشروط لا تحقق هذه المبادئ. هذه الثنائية في الخطاب تعبّر عن مأزق القيادة الإسرائيلية التي تواجه ضغوطاً متزايدة داخلياً وخارجياً لإنهاء الحرب، وفي الوقت نفسه تخشى من أن يُنظر إلى أي تسوية على أنها تنازل أو اعتراف بانتصار خصومها.
على المستوى المحلي، من المتوقع أن تشعل هذه التصريحات نقاشات محتدمة داخل الحكومة الإسرائيلية ومجلس الأمن القومي. فالأحزاب اليمينية الأكثر تشدداً قد ترى في أي تسوية مع حماس إضعافاً للموقف الإسرائيلي، بينما قد يدعم التيار الأكثر براغماتية فكرة تهدئة مؤقتة تسمح بإعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية واحتواء الأزمات الإنسانية والدبلوماسية. ومن هنا، قد نشهد انقساماً داخلياً يتراوح بين من يعتبر المقترح «فرصة تكتيكية» ومن يصفه بـ«فخ استراتيجي».
دولياً، تتابع العواصم الفاعلة هذه المؤشرات باهتمام بالغ. فالقاهرة والدوحة، بوصفهما لاعبين رئيسيين في الوساطات، قد تجد في قبول إسرائيل المبدئي فرصة لتعزيز أدوارهما في صياغة التفاهمات. أما واشنطن، فهي ترى في هذا التطور اعترافاً ضمنياً بدور ترامب ومبادراته، ما قد يعيد خلط الأوراق في المشهد الدبلوماسي الأمريكي. وعلى الضفة الأخرى، يبقى موقف حماس والفصائل الفلسطينية عاملاً حاسماً، إذ أن رفضها أو قبولها المشروط سيحدد مصير أي اتفاق مطروح.
السيناريوهات المحتملة تتراوح بين توقيع اتفاق مؤقت يفتح الباب لصفقة تبادل وتهدئة إنسانية، وبين انهيار المسار التفاوضي بفعل اشتراطات متبادلة لا يمكن التوفيق بينها. وفي الحالتين، يبقى المدنيون في غزة هم الحلقة الأضعف، إذ إن أي تأخير أو فشل في التوصل إلى صيغة تهدئة سيعني استمرار الكارثة الإنسانية، بينما يفتح نجاح جزئي الباب أمام إدخال مساعدات وفتح معابر قد تخفف من معاناتهم اليومية.
إن ما يجري ليس مجرد نقاش تقني حول بنود صفقة، بل هو اختبار لقدرة إسرائيل على المواءمة بين ضرورات أمنها القومي وضغوط المجتمع الدولي. وهو أيضاً اختبار للفاعلين الإقليميين الذين يسعون إلى حفظ ماء الوجه بين أطراف متصارعة لا تزال الثقة بينها معدومة. وبينما يتحدث ساعر عن «مبادئ أمنية لا يمكن تجاوزها»، يبقى السؤال الأهم: هل سيكون مقترح ترامب خطوة نحو تسوية أوسع، أم مجرد هدنة مؤقتة تخفي وراءها جولة جديدة من العنف؟