السويداء بين دعوات التقسيم وإرادة الوحدة

رزان الحاج

2025.09.09 - 10:43
Facebook Share
طباعة

 في خضم الأحداث التي تشهدها سوريا، برزت من جديد أصوات تنادي بالانفصال في محافظة السويداء، يقودها الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز رجال الدين في الطائفة الدرزية. فقد جدد الهجري مطالبته بإقامة كيان مستقل في الجنوب السوري، معتبراً أن هذا الخيار أصبح "ضرورة حتمية"، على حدّ قوله. لكنه في المقابل قوبل بموجة رفض واسعة من غالبية شيوخ السويداء الذين أكدوا تمسكهم بوحدة البلاد، رافضين أي مشاريع للتقسيم أو الانفصال تحت أي ذريعة.


رفض واسع لمشروع التقسيم
مصادر مطلعة في المحافظة أشارت إلى أن الموقف العام بين شيوخ العقل والزعامات الاجتماعية يميل بقوة نحو الحفاظ على النسيج الوطني السوري، بعيداً عن أي مشاريع خارجية تستهدف ضرب وحدة البلاد. هؤلاء الشيوخ يرون أن الدعوات الانفصالية لا تعبّر عن الضمير الجمعي لأبناء السويداء، بل تمثل توجهاً فردياً لا يحظى بإجماع شعبي أو ديني.


التوجه الرافض للتقسيم لم يقتصر على البعد الداخلي فحسب، بل انعكس أيضاً على اتصالات خارجية. فقد طُلب من بعض الجهات الروحية والسياسية في الخارج عدم تشجيع هذه الطروحات، والتوقف عن تقديم الغطاء السياسي لها، لما تشكله من تهديد مباشر على وحدة سوريا واستقرارها.


الهجري وخطاب الانفصال
في المقابل، واصل الشيخ حكمت الهجري خطابه التصعيدي، إذ أعلن في مقطع مصوَّر أن الاستقلالية باتت خياراً وحيداً أمام أبناء السويداء. وذهب أبعد من ذلك عندما قدّم شكره العلني لإسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، معتبراً أنهم يقفون إلى جانب "قضية أبناء السويداء". وهو خطاب أثار موجة انتقادات واسعة، إذ عُدّ بمثابة اصطفاف مع قوى خارجية طالما ارتبط تدخلها في المنطقة بالفوضى والانقسامات.


الهجري وصف مشروعه بأنه "كيان مستقبلي" يتناغم مع الدول الكبرى والمجتمعات المنفتحة، لكنه تجاهل حقيقة أن معظم أبناء المحافظة ما زالوا يرون أنفسهم جزءاً لا يتجزأ من سوريا، وأن الحلول لا تكمن في الانفصال بل في تعزيز الحقوق وضمان المشاركة الوطنية الكاملة.


السويداء بين مطالب الإصلاح ورفض الانفصال
المراقبون يشيرون إلى أن ما تشهده السويداء اليوم هو صراع بين تيارين: الأول يدعو إلى الانفصال بذريعة "حماية الكرامة وضمان الحقوق"، والثاني يتمسك بوحدة البلاد مع السعي إلى إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تعالج المظالم التاريخية التي عانت منها المحافظة.


الأصوات الرافضة للانفصال تؤكد أن أبناء السويداء قدموا تضحيات جسيمة في سبيل وحدة سوريا، وأن الدعوات الأخيرة لا تعبّر عن إرادة الغالبية. ويعتبرون أن الانفصال ليس حلاً، بل بداية لانزلاق نحو صراعات أهلية وتدخلات خارجية قد تجعل من الجنوب السوري ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.


موقف حازم ضد التقسيم
شيوخ السويداء، بوزنهم الرمزي والديني، شددوا في أكثر من مناسبة على أن الانتماء الوطني لا يُقاس بالظروف السياسية المتغيرة، وأن وحدة التراب السوري هي خط أحمر. كما دعوا القوى السياسية في الداخل والخارج إلى احترام هذا الموقف، والابتعاد عن محاولات استغلال معاناة أبناء المحافظة لتمرير أجندات تقسيمية.


ولعل الرسالة الأبرز التي يوجهها شيوخ السويداء اليوم هي أن الكرامة والحقوق تُصان في إطار الدولة السورية الموحدة، وليس عبر مشاريع انفصالية تحمل بذور صراعات جديدة. فبدلاً من المطالبة بالانفصال، يرون أن الطريق الصحيح يتمثل في حوار وطني شامل يضمن تمثيلاً عادلاً لكل المكوّنات ويؤسس لدولة عادلة قادرة على حماية جميع أبنائها.


انتقاد صريح لخطاب الانفصال
من اللافت أن بعض القيادات المجتمعية في السويداء عبّرت عن استيائها الشديد من خطاب الهجري، معتبرة أنه لا ينسجم مع تقاليد الطائفة ولا مع دورها التاريخي في حماية وحدة سوريا. وذهب البعض إلى وصف دعوات الانفصال بأنها "قفز في المجهول" قد يجرّ على المحافظة ويلات لا تُحمد عقباها.


ويرى المنتقدون أن الإشادة العلنية بقوى خارجية، على رأسها إسرائيل، تثير الريبة وتضع أبناء السويداء في موقع شبهة لا يخدم قضيتهم ولا ينسجم مع تاريخهم الطويل في مقاومة الاحتلال والدفاع عن الوطن.


وحدة سوريا الخيار الوحيد
في المحصلة، تتضح الصورة أكثر فأكثر: دعوات الانفصال التي يروج لها الهجري تبدو معزولة ومرفوضة من غالبية الشيوخ وأبناء المحافظة. السويداء، بتاريخها وثقافتها وتضحياتها، جزء لا يتجزأ من سوريا، وخياراتها لا يمكن أن تنفصل عن المسار الوطني العام.


وبينما يحاول البعض تصوير الانفصال كطريق للخلاص، فإن الأصوات الأكثر وعياً وحكمة في السويداء تؤكد أن الخلاص الحقيقي يكمن في بناء دولة قوية وعادلة تحتضن جميع مكوناتها. فالوحدة ليست شعاراً فقط، بل ضمانة للسلام والاستقرار، فيما الانفصال ليس سوى مغامرة محفوفة بالمخاطر.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 8