حمل اللقاء الذي جمع البابا ليو الرابع عشر بوفد إسلامي لبناني حمل أبعادًا رمزية تتجاوز الإطار الديني. المشاركة جاءت في وقت دقيق، إذ يعيش لبنان أزمة سياسية واقتصادية خانقة، فيما تتكثف التحركات الدولية بحثًا عن سبل لاحتواء التوترات المحيطة به.
الوفد ضم شخصيات تمثل الطوائف السنية والشيعية والدرزية، ونقل رسائل من مرجعياتها الدينية إلى الحبر الأعظم، هذه الخطوة عكست رغبة واضحة في إبراز التمسك بقيم التعايش والانفتاح، وإعادة التأكيد على أن لبنان يشكّل ساحة فريدة للتعددية الثقافية والروحية.
البابا استقبل الرسائل باهتمام، ما أضفى على المناسبة بعدًا إضافيًا يعكس الحرص الفاتيكاني على دعم كل ما يعيد الثقة بصيغة الدولة الجامعة.
الحضور الدبلوماسي لم يكن أقل أهمية، إذ شارك سفراء من دول عدة بينهم ممثل إيران، وذلك بعد أيام قليلة من اجتماع البابا مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ.
هذا التزامن أوضح أن لبنان ما زال في صلب الاهتمام الإقليمي، وأن استقراره يظل عاملاً مؤثراً في موازين المنطقة.
خلال اللقاء والحوارات غير الرسمية، ظهرت بوضوح صورة مزدوجة: قلق من تفاقم الأوضاع في الداخل، ورغبة في حماية النموذج اللبناني من الانهيار. الكرسي الرسولي حرص على التذكير برؤية يوحنا بولس الثاني حين وصف لبنان بأنه “أكثر من وطن، إنه رسالة”.
هذا التوصيف ما زال حاضراً كمرجعية فكرية وأخلاقية، ويعكس الإصرار على أن تجربة التعددية قادرة على الصمود إذا توفرت الإرادة.
الأبعاد المعنوية لا تقل شأناً عن السياسية، فالبلد الذي ارتبط اسمه في السنوات الأخيرة بالأزمات والانهيارات، قدم في الفاتيكان صورة مغايرة: مجتمع متنوع يلتقي تحت سقف واحد ويرسل إشارات أمل إلى الخارج. هذا البعد الرمزي يحمل قوة تأثير لا تقل عن أي مبادرة سياسية، لأنه يعيد التذكير بجوهر الفكرة اللبنانية القائمة على اللقاء والشراكة.
خلاصة المشهد، لم يكن الحدث مجرد محطة بروتوكولية. الزيارة منحت لبنان فرصة لإعادة طرح نفسه كمساحة حوار عالمي، وأعادت تسليط الضوء على ضرورة حماية الاستقرار الوطني باعتباره شرطًا أساسياً لأي نهوض.
وبين الخشية من المستقبل المجهول والتطلع إلى استعادة دوره، يبقى صوت الفاتيكان دعوة صريحة إلى الحكمة والتعقل.