أثار تسريب صحفي إسرائيلي جدلاً واسعاً بعد الحديث عن توجيه بنيامين نتنياهو بتعليق اتفاق الغاز الموقع مع القاهرة، بحجة وجود خروقات مصرية للملحق العسكري في معاهدة السلام، ورغم غياب موقف رسمي من الجانبين، فإن مجرد طرح المسألة يضع مستقبل التعاون في دائرة الغموض ويعيد النقاش حول استخدام الطاقة كسلاح سياسي في منطقة مضطربة.
أبعاد القرار المحتمل:
الخطوة الإسرائيلية، إن صحت، لا تبدو مجرد خلاف تجاري بل تحمل دلالات جيوسياسية عميقة، إذ تأتي في وقت تواجه فيه مصر ضغوطاً داخلية متزايدة على صعيد الطاقة نتيجة ارتفاع الاستهلاك وتراجع إنتاج بعض الحقول الكبرى مثل "ظُهر" وفي السياق نفسه، تتصاعد الخلافات الإقليمية حول مستقبل غزة، وهو ما يجعل ملف الغاز مرتبطاً بشكل مباشر بمسار الصراع العربي–الإسرائيلي.
السلام الاقتصادي على المحك:
في هذا الإطار، أشار الدكتور أحمد قنديل في مقال بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى أن الأزمة تكشف هشاشة فكرة "السلام الاقتصادي" التي جرى الترويج لها كبديل عملي عن الحلول السياسية. فالتجربة الراهنة توضح أن الغاز لم يعد مجرد مورد طاقة، بل أداة ضغط مرتبطة بالملفات الأمنية والاستراتيجية، وأن ما يُعرض من اتفاقات اقتصادية يمكن أن يتهاوى أمام أول اختبار سياسي جاد.
بدائل القاهرة:
ورغم حساسية الموقف، فإن القاهرة تمتلك بدائل متعددة تتيح لها تجاوز أي تهديد إسرائيلي، حيث يمكنها الاستفادة من أسواق الغاز المسال العالمية بأسعار تنافسية، وتسريع مشروعات الربط مع قبرص واليونان، والانفتاح على شركاء عرب مثل قطر والجزائر، إلى جانب دفع مشروعات الطاقة المتجددة والنووية بما يخفف الضغط عن الغاز الطبيعي، هذه البدائل تجعل من التهديد الإسرائيلي عاملاً للتسريع في مسار الاستقلال الطاقوي وليس أداة لإخضاع مصر للابتزاز.
الانعكاسات الجيوسياسية:
يحمل القرار الإسرائيلي المحتمل انعكاسات واسعة على توازنات المنطقة، فهو يعكس انهيار فكرة التكامل الاقتصادي كوسيلة لتخفيف الصراعات، ويهدد مشروع مصر للتحول إلى مركز إقليمي لتسييل الغاز وتصديره إلى أوروبا، كما يضعف ثقة المستثمرين الدوليين في شرق المتوسط، ويجعل بيئة الاستثمار أكثر عرضة للتقلبات السياسية والأمنية.
دروس أساسية:
توضح الأزمة أن الاعتماد على مورد خارجي للطاقة يفتح الباب أمام الابتزاز ويقوض الأمن القومي، كما تؤكد أن إسرائيل في ظل حكومتها اليمينية ليست شريكًا اقتصاديًا محايدًا يمكن الرهان عليه، الأمر الذي يفرض على مصر إعادة صياغة استراتيجيتها الطاقوية بشكل يعزز من قدرتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي، مع توسيع الاستكشافات البحرية وتطوير الشراكات مع قوى بديلة توفر هامشًا أكبر من الأمان السياسي.
يتضح أن الغاز لم يعد مجرد وقود لمحطات الكهرباء، وانما تحول إلى وقود لصراع جديد يضاف إلى النزاع العربي–الإسرائيلي.
وفي مواجهة هذه التحديات، تبدو مصر مطالبة بتحويل الضغوط الراهنة إلى فرصة لإعادة بناء استقلالها الطاقوي، بما يحمي قرارها الوطني من أي محاولات ابتزاز، ويكرس دورها كفاعل إقليمي رئيسي في معادلة أمن الطاقة بالشرق الأوسط.