تتهيأ القضية الفلسطينية لتتصدر أجندة اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، المقررة في نيويورك بين 9 و23 سبتمبر، في وقت تتجه فيه عدة دول غربية وعربية إلى إعلان اعترافها الرسمي بدولة فلسطين. خطوة تعكس تحولات جيوسياسية ودبلوماسية متسارعة، وتعيد الزخم إلى مبادرة حل الدولتين بعد سنوات من الجمود.
منذ إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في يوليو الماضي نية بلاده الاعتراف بفلسطين، توالت المواقف الأوروبية المؤيدة. فرنسا وبلجيكا ومالطا سبقت بالفعل إلى الإعلان، فيما تدرس دول أخرى مثل فنلندا ولوكسمبورغ والبرتغال اتخاذ القرار نفسه. كما يبرز احتمال انضمام قوى تقليدية كالمملكة المتحدة، أستراليا، وكندا، وهو ما سيشكل تحولًا لافتًا في موقف الغرب.
تتولى باريس والرياض معًا رعاية مؤتمر دولي حول حل الدولتين، انطلق في يونيو الماضي، ويستمر بزخم متزايد. ومن المقرر عقد مؤتمر فرنسي – سعودي على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في 22 سبتمبر، لوضع اللمسات الأخيرة على قائمة الدول المعترفة، في إطار تحرك منسق يهدف إلى بناء إجماع عالمي حول التسوية السلمية.
في المقابل، لا تزال بعض الدول الأوروبية مترددة، مثل الدنمارك التي أعلنت أنها "لن تعترف في الوقت الحالي"، لكنها شددت في الوقت ذاته على أن إسرائيل لا تملك حق الفيتو على قراراتها السيادية. هذا الموقف يعكس ضغوطًا إسرائيلية متزايدة خلف الكواليس، بالتزامن مع تصعيد ميداني في غزة وتحذيرات إسرائيلية من "تسييس" الملف الفلسطيني في المحافل الدولية.
الاعترافات المتتالية تمثل دعمًا سياسيًا وقانونيًا لخيار الدولة الفلسطينية، وتأتي في لحظة فارقة حيث يتعرض قطاع غزة لحصار وتجويع موصوف دوليًا بأنه "انتهاك جسيم". الأمم المتحدة تبنّت بالفعل مقررًا باسم السعودية وفرنسا حول استئناف المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية، وهو ما يعكس توافقًا واسعًا داخل المنظمة الدولية.
هذا الحراك قد يفتح الباب أمام إعادة تشكيل المشهد السياسي والدبلوماسي المتعلق بالقضية الفلسطينية. الاعتراف الغربي، إن تحقق بشكل متدرج، سيعزز مكانة فلسطين في المؤسسات الدولية، ويزيد عزلة إسرائيل سياسيًا. لكنه في الوقت ذاته يضع اختبارًا أمام المجتمع الدولي بشأن القدرة على تحويل الاعترافات الرمزية إلى خطوات عملية لوقف الحرب وتهيئة الأرضية لسلام مستدام.
التحرك الحالي يختلف عن موجات الاعتراف السابقة (1988 وما بعدها)، إذ يتم هذه المرة بدعم من قوى مركزية كفرنسا وبشراكة سعودية، وفي ظل أجواء حرب على غزة تثير ضمير الرأي العام العالمي. الأيام المقبلة، خصوصًا بين 22 و29 سبتمبر، ستكون حاسمة في رسم حدود هذا التحول، وتحديد ما إذا كان الاعتراف سيبقى ضمن الرمزية الدبلوماسية أم يتحول إلى خطوة استراتيجية نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة.