تحولت عملية إطلاق النار عند مفترق راموت بالقدس إلى محطة سياسية وأمنية جديدة، بعد أن سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى موقع الحادث. هذا المشهد يؤكد أن تداعيات الحرب لم تعد مقتصرة على جبهات غزة أو الشمال، بل باتت تنعكس بوضوح في قلب القدس.
بحسب القناة 12 الإسرائيلية، ارتفع عدد قتلى الهجوم على الحافلة إلى ستة، فيما أصيب آخرون بجروح وُصفت بعضها بالحرجة. أما إذاعة الجيش الإسرائيلي فأشارت إلى أن منفذي العملية لم يكونا على قوائم الملاحقة الأمنية، ما يزيد من قلق الأجهزة الإسرائيلية حيال "الخلايا الفردية" التي يصعب التنبؤ بها أو إحباطها مسبقاً.
نتنياهو، الذي أجرى جلسة تقييم مع قادة الأجهزة الأمنية قبل توجهه إلى راموت، شدد من الموقع على أن ما جرى "لن يقيد أيدينا بل سيزيدنا تشدداً"، مؤكداً أن الحرب لم تعد محصورة في غزة بل "مستمرة في القدس أيضاً".
في المقابل، استغل بن غفير الحادث لتجديد دعواته لتسليح المستوطنين بشكل أوسع، وذهب إلى حد التهديد بطرد عائلات منفذي العمليات، في خطوة تهدف لتعزيز حضوره بين قاعدته اليمينية المتشددة.
هجوم على القضاء
لم يكتف نتنياهو وبن غفير بالتشديد الأمني، بل وجّها انتقادات للمحكمة العليا الإسرائيلية على خلفية قرارها الأخير بشأن عدم قانونية ظروف السجون. هذا الموقف يعكس مسعى الحكومة اليمينية لتحويل أي هجوم إلى ذريعة لتعزيز قبضتها الأمنية، حتى ولو كان ذلك على حساب استقلالية المؤسسة القضائية.
السلطة الفلسطينية في مرمى الاستهداف
وزير المالية بتسلئيل سموتريتش صعّد من لهجته، محملاً السلطة الفلسطينية مسؤولية "إنتاج الإرهاب"، وداعياً صراحة إلى "اختفائها من الخريطة". لم يكتف بالتهديد العام، بل سمّى مناطق فلسطينية بعينها مثل رفح وبيت حانون، باعتبارها "مصادر للتطرف". هذه التصريحات تعكس بوضوح أن الجناح اليميني في الحكومة يسعى لاستثمار العمليات الأخيرة لتبرير تصعيد أكبر ضد الفلسطينيين، سواء عبر العقوبات الجماعية أو عبر الدفع نحو سيناريوهات أكثر تطرفاً.
استدعاء خطاب الانتفاضة الثانية
الخطاب الإسرائيلي الحالي عقب هجوم راموت يعيد للأذهان المرحلة التي تلت اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، حين لجأت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى إجراءات عقابية جماعية ضد الفلسطينيين، من هدم المنازل وفرض الحصار، إلى إعادة احتلال الضفة الغربية عام 2002.
اليوم، تتكرر المفردات نفسها: الدعوات لطرد العائلات، اتهام السلطة الفلسطينية بالتحريض، والمطالبة بفرض سياسات أكثر صرامة داخل القدس والضفة. الفارق أن السياق الإقليمي والدولي مختلف، حيث تزداد عزلة إسرائيل مع استمرار حرب غزة، وتتنامى الانتقادات الحقوقية العالمية.
هذا التشابه يعكس أن إسرائيل، رغم مرور عقدين على الانتفاضة الثانية، لا تزال تدور في حلقة ردود الفعل الأمنية ذاتها، وهو ما قد يعزز دورة العنف بدلاً من كسرها.
حادثة راموت تكشف بوضوح حجم التصدع الأمني والسياسي داخل إسرائيل. فمن جهة، تعجز الأجهزة الأمنية عن منع عمليات فردية في قلب القدس، ومن جهة أخرى، يستغل السياسيون الحادث لتعزيز نفوذهم وخوض معارك داخلية مع القضاء أو السلطة الفلسطينية.
ومع تزايد هذه العمليات في العمق الإسرائيلي، يبدو أن الحكومة اليمينية ماضية في استثمارها كورقة لتشديد الإجراءات الأمنية وتبرير سياسات أكثر تطرفاً، ما يعمّق من دائرة الصراع ويؤكد أن القدس باتت بالفعل ساحة مواجهة مفتوحة، وليست بمنأى عن تداعيات الحرب الممتدة.