جدل الفيدرالية في سوريا: مشروع وطني أم خطر تقسيم؟

سامر الخطيب

2025.09.08 - 11:15
Facebook Share
طباعة

 منذ سقوط النظام السوري السابق في كانون الأول 2024، عاد النقاش حول مستقبل الدولة السورية ليتصدّر المشهد. وبينما يصرّ البعض على أن الفيدرالية أو الحكم الذاتي يفتح الباب أمام التفكك والانقسام، يرى آخرون أنّها قد تشكّل أرضية لإعادة صياغة العقد الاجتماعي على أسس جديدة.


في هذا السياق، تكررت المبادرات السياسية الداعية إلى تبني الفيدرالية، كان أحدثها في آب الماضي عبر تأسيس المجلس السياسي لوسط وغربي سوريا، الذي أعلن هدفه إقامة نظام فيدرالي كبديل عن المركزية، مع تعزيز سيادة القانون وضمان مشاركة أوسع للمكوّنات المحلية. وفي المقابل، شهدت السويداء تصاعداً في التحركات الشعبية، التي بدأت بالمطالبة بالحكم الذاتي، قبل أن تتطور إلى دعوات بالاستقلال الكامل عن الحكومة المركزية.


أما في شمال شرقي سوريا، فقد مضت “الإدارة الذاتية” منذ عام 2014 في تطبيق دستور مؤقت يتحدث عن حقوق الأقليات وصيغة فيدرالية ضمن إطار وحدة البلاد، لتصبح التجربة الأكثر تنظيماً بين مختلف المحاولات.


موقف دمشق
الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، اتخذ موقفاً حاسماً من هذه الطروحات، إذ شدّد مراراً على رفض أي مسعى نحو الانفصال أو إقامة “كانتونات” مستقلة. وفي لقاء مع وجهاء إدلب عقب أحداث السويداء، وصف الشرع دعاة التقسيم بـ”الحالمين والجهلة سياسياً”، مؤكداً أنّ هذه الطروحات لا تحظى بدعم دولي، كما أنّها تتعارض مع الواقع الديمغرافي والاجتماعي لسوريا.


مع ذلك، لم يغلق الشرع الباب أمام خيارات أخرى، فقد أكد أن الدستور يتيح اللامركزية كصيغة عملية تحفظ الخصوصيات المحلية من دون المساس بوحدة البلاد. وبالنسبة له، فإن أي مقاربة للحكم الذاتي يجب أن تكون تحت سقف الدولة الواحدة، بعيداً عن الطابع الطائفي أو الإثني الذي من شأنه تفجير الانقسامات.


الفيدرالية بين التهديد والمشروع الوطني
الانقسام حول الفيدرالية لا يتوقف عند حدود الشعارات. فهناك من يعتبرها تهديداً مباشراً للهوية الوطنية، في حين يراها آخرون إطاراً جامعاً لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة. الباحث السياسي نادر خليل يرى أنّ المسألة لا تُختزل في ثنائية “حل أو تهديد”، بل في كيفية تصميم النظام وربطه بمشروع وطني جامع يضمن المواطنة المتساوية ويؤسس لسيادة متعددة المستويات.


بدوره، يشير خبراء إلى أن التجارب الدولية تقدّم نماذج متباينة: ففي ألمانيا وإسبانيا والدنمارك وفنلندا، عززت اللامركزية الهوية الوطنية ووفرت مشاركة أوسع في الحكم، بينما أسهمت الفيدرالية الإثنية في إثيوبيا مثلاً في إشعال حرب مدمّرة، وفي العراق في إضعاف الهوية الوطنية لصالح الهويات الفرعية.


الخلاصة، أن الفيدرالية ليست وصفة جاهزة، بل أداة تتحدد نتائجها تبعاً لجودة التصميم وآليات التنفيذ. فإذا ربطت المحلي بالوطني ووفرت قنوات مساءلة عادلة، فهي مشروع وطني. أما إذا بُنيت على أسس إثنية أو مذهبية صارمة، فإنها تتحول إلى وصفة للتفكك.


مخاوف التقسيم
المخاوف من التقسيم حاضرة بقوة في النقاش العام، وهي ليست قدراً محتوماً، بل انعكاس لإرث طويل من التجزئة، ولواقع الحرب وما أفرزه من خطوط تماس ومصالح اقتصادية متناقضة. الباحث نادر خليل يرى أنّ الخطر الحقيقي لا يكمن في اللامركزية بحد ذاتها، بل في ترك الفراغات التنظيمية لتتحول مع الوقت إلى حدود دائمة.


ويضيف أنّ بناء إطار دستوري مرن، مقروناً بدمج أمني تدريجي وتوزيع عادل للموارد، يمكن أن يحوّل الحكم المحلي إلى أداة لتعزيز الوحدة الوطنية بدلاً من تفكيكها. فالفرصة لا تزال قائمة، لكن ضيق الوقت يجعل القرار أكثر إلحاحاً.


البعد الإثني والطائفي
إحدى أبرز التحديات أمام مشاريع الفيدرالية أو الحكم الذاتي تكمن في ارتباطها بالهوية الإثنية أو المذهبية. فالمجلس السياسي لوسط وغربي سوريا يتشكّل أساساً من المكوّن العلوي، بينما ترتبط مطالب السويداء بمستقبل الدروز، في حين يستند مشروع شمال شرقي سوريا إلى طموحات قومية للأكراد.


هذا الطابع، بحسب الباحثين، قد يضعف أي صيغة حكم ذاتي أو لامركزية، لأنه يحوّلها من إطار وطني جامع إلى مشروع فئوي، يفتح الباب أمام صراعات جديدة بدلاً من أن يقدم حلولاً عملية.


سيناريوهات المرحلة المقبلة
أمام هذه المعطيات، تبدو سوريا على مفترق طرق: إما أن تُصاغ تسوية وطنية شاملة تقوم على لامركزية مدروسة تعزز الانتماء الوطني، أو أن يستمر الواقع الحالي كـ”لامركزية أمر واقع” مفروضة بترتيبات إقليمية ودولية. فالمظلة الأمريكية في الشمال الشرقي، والدور التركي في الشمال الغربي، والاقتصاديات المحلية القائمة، كلها تصنع نوعاً من الحكم الذاتي غير المعلن، من دون إطار وطني جامع.


وبينما ترفض دمشق بحزم أي خطوة انفصالية، يظلّ السؤال الأبرز: هل تنجح القوى السورية في استثمار اللحظة لإطلاق مشروع وطني جديد، أم تنزلق البلاد تدريجياً نحو خرائط تفكك قد يصعب التراجع عنها؟

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 7