في الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل أزمة سياسية وأمنية غير مسبوقة، تتجه الأنظار إلى تحركات المعارضة لإعادة بناء معسكر موحد قادر على مواجهة بنيامين نتنياهو. هذا الحراك يعيد إلى الأذهان تجربة "كتلة التغيير" عام 2021، التي نجحت لبرهة قصيرة في تشكيل حكومة بديلة، قبل أن تنهار تحت وطأة الانقسامات. غير أن الجديد في هذه المرحلة هو حجم الضغوط الداخلية والخارجية التي قد تجعل فرص المعارضة هذه المرة أكثر تعقيدًا، ولكن أيضًا أكثر إلحاحًا.
تحركات لابيد وأيزنكوت
التقى زعيم المعارضة يائير لابيد بالجنرال السابق غادي أيزنكوت، حيث توصلا إلى مبادرة لعقد اجتماع موسع يضم مختلف قادة "كتلة التغيير". وسيحضر الاجتماع، إلى جانب لابيد وأيزنكوت، كل من نفتالي بينيت، أفيغدور ليبرمان، بيني غانتس، ويائير غولان.
هذه الخطوة ليست مجرد لقاء رمزي، بل محاولة لتجاوز حالة التشتت التي عانت منها المعارضة في الشهور الماضية، خصوصًا مع استمرار نتنياهو في الإمساك بخيوط اللعبة السياسية رغم التحديات التي تواجه حكومته.
تعدد اللقاءات في الكواليس
التحركات لا تقتصر على هذا اللقاء. فقد اجتمع أيزنكوت مؤخرًا مع نفتالي بينيت، في إطار سلسلة لقاءات منفصلة تهدف إلى تعزيز التنسيق ووضع أسس عمل مشترك. هذه اللقاءات المتتابعة تعكس إدراكًا داخل المعارضة بأن أي محاولة لإزاحة نتنياهو تتطلب جبهة سياسية أكثر تماسكا، قادرة على صياغة خطاب موحد يلقى صدى لدى الناخب الإسرائيلي.
خلفية تاريخية: تجربة 2021
تجربة "كتلة التغيير" عام 2021 كانت استثنائية في تاريخ إسرائيل السياسي. فقد تمكنت أحزاب من توجهات متناقضة – يمينية وليبرالية ويسارية وحتى عربية – من الاتفاق على هدف واحد: إخراج نتنياهو من الحكم. بالفعل، تشكلت حكومة برئاسة نفتالي بينيت ويائير لابيد، إلا أنها لم تصمد طويلاً.
الخلافات الأيديولوجية العميقة، والضغوط الأمنية، والانقسامات حول ملفات حساسة مثل إدارة الصراع مع الفلسطينيين، سرعان ما أطاحت بهذا التحالف. ومع ذلك، تظل تلك التجربة حاضرة في ذهن المعارضة باعتبارها سابقة يمكن البناء عليها، ولكن مع إدراك نقاط الضعف التي قادت إلى انهيارها.
الدلالات السياسية
1. توحيد الجبهة ضد نتنياهو: التحركات الحالية تعكس إدراكًا متزايدًا لدى المعارضة بأن انقسامها يخدم نتنياهو، وأن أي بديل جاد يتطلب تجاوز الحسابات الضيقة.
2. إعادة تعريف الأولويات: هناك مساعٍ لوضع مبادئ توجيهية للحكومة المقبلة، ما يشير إلى رغبة في الانتقال من مجرد هدف "إسقاط نتنياهو" إلى برنامج سياسي أشمل.
3. ضغط شعبي وخارجي: الحكومة تواجه انتقادات متزايدة بسبب إدارتها للحرب في غزة وتدهور العلاقات مع الإدارة الأميركية، وهو ما يمنح المعارضة مساحة أكبر للتحرك.
تأثيرات إقليمية ودولية
على المسار الفلسطيني: نجاح المعارضة في تشكيل حكومة بديلة قد يفتح الباب أمام إعادة النظر في سياسات الحرب، خصوصًا في ظل الضغوط الدولية المتصاعدة لوقف العمليات في غزة.
على العلاقات مع واشنطن: الولايات المتحدة، التي تربطها خلافات متزايدة مع نتنياهو، قد تجد في حكومة بديلة فرصة لإعادة ترتيب العلاقة مع إسرائيل.
على الداخل الإسرائيلي: أي اصطفاف جديد سيختبر قدرة المعارضة على إقناع الشارع بأنها تملك رؤية للحكم، لا مجرد تحالف ضد شخص نتنياهو.
في ظل الانقسام الداخلي، وتصاعد الانتقادات لسياسات نتنياهو، واشتداد الحرب في غزة، تبدو إسرائيل أمام مفترق طرق سياسي جديد. المعارضة تسعى إلى إحياء "كتلة التغيير" كأداة لتوحيد صفوفها واستعادة زمام المبادرة. لكن السؤال الجوهري يبقى: هل تستطيع هذه القوى المتباينة أن تتجاوز خلافاتها هذه المرة، أم أن مصيرها سيكون تكرار سيناريو الانهيار السريع كما حدث عام 2021؟