تشهد مدينة غزة تصعيداً ميدانياً مكثفاً يعكس حجم الأزمة الإنسانية، إذ أعلن جيش الاحتلال اعتراض أحد الصواريخ بينما أصابت الثانية مناطق مفتوحة، فيما تعرضت أحياء سكنية ومدارس وخيام نازحين لغارات متتالية.
هذا التصعيد يبرز طبيعة النزاع الحالية، القائمة على ضغط متزايد على السكان المدنيين وإعادة ترتيب واقعهم اليومي بالقوة.
في مستشفى الشفاء، تحولت المرافق الطبية إلى مساحة مزدحمة بالجثامين والمصابين، بينهما أطفال ونساء، ما يعكس انهيار قدرة النظام الصحي على الاستجابة للطوارئ، التكدس في الثلاجات والممرات يكشف عن عجز واضح في الموارد البشرية والمعدات، ويجعل من تقديم الرعاية الفعالة مهمة شبه مستحيلة.
استهداف مدرسة الفارابي التي كانت مأوىً مؤقتاً للنازحين، وتدمير برج السوسي الذي يقطنه مئات المدنيين، يوضح سياسة ممنهجة لاستهداف التجمعات السكانية بذريعة الأمن، عمليات الهدم لا تقتصر على مبانٍ منفصلة، بل تشمل أحياء مكتظة، في خطوة تبدو جزءًا من استراتيجية تهدف إلى تهجير واسع وتفريغ مناطق كاملة من أهلها.
في الوقت ذاته، تروج إسرائيل لفكرة "مناطق آمنة" مثل المواصي، باعتبارها ممراً إنسانياً للنازحين، غير أن الواقع يكشف غياب الماء والغذاء والخدمات الصحية، مع اكتظاظ آلاف الفارين من شمال ووسط القطاع في فضاء محدود، هذا التناقض بين الدعاية الموجهة عالمياً والواقع الميداني يعكس سياسة تضليل مقصودة تجاه المجتمع الدولي، في حين تستمر المعاناة اليومية للمدنيين بلا توقف.
التحليل الاستراتيجي يشير إلى أن الهدف العسكري وحده لا يفسر حجم الدمار، إذ يبدو أن هناك خطة لإعادة تشكيل التركيبة السكانية للقطاع عبر القصف المستمر، أوامر الإخلاء المتكررة، وتشويه المناطق الزراعية والسكنية، القصف المكثف والتحركات المتعاقبة تزيد من الضغط النفسي والجسدي على السكان، وتجعل من البقاء في المدينة خطراً مستمراً، بينما تبقى الحياة الإنسانية محاصرة بين أنقاض المباني وأزمات الخدمات الأساسية.
بهذا، تتحول غزة إلى مساحة محاصرة بالدمار، حيث تتكدس الجثامين ويزداد النزوح، بينما يظل المدنيون الحلقة الأضعف، مستهدفين بشكل مباشر ضمن صراع يتجاوز الأمن العسكري إلى إعادة تشكيل واقعهم الديموغرافي بشكل قسري.