تشهد مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في شمال وشرق سوريا تصعيداً لافتاً في الإجراءات العسكرية والتحصينات الميدانية، في خطوة تهدف إلى تعزيز قدراتها الدفاعية في مواجهة التهديدات المتعددة، سواء من جانب تركيا أو من جانب الحكومة السورية والقوى الحليفة لها.
فقد بدأت "قسد" بإنشاء ثلاثة خطوط دفاع رئيسية على طول محاور التماس، امتداداً من الحدود السورية ـ التركية مروراً بمناطق الرقة ودير الزور وحلب، وصولاً إلى نهر الفرات. وتشير المعطيات الميدانية إلى أن هذه الخطوة تأتي في إطار استراتيجية أوسع لترسيخ وجودها العسكري وتحصين مناطقها ضد أي هجوم محتمل.
ألغام على الحدود
في المرحلة الأولى من الخطة، زرعت "قسد" ألغاماً مضادة للأفراد والآليات بمحاذاة الحدود السورية ـ التركية، وتحديداً في محيط المالكية بريف الحسكة وعين العرب (كوباني) في ريف حلب. ويُعتبر هذا الإجراء امتداداً لسلسلة تحركات بدأت منذ أشهر، مع بناء سواتر ترابية وحفر خنادق على طول الشريط الحدودي، ما يعكس مخاوف متزايدة من عمليات عسكرية تركية جديدة.
ثلاثة خطوط دفاعية متكاملة
وفق المعلومات المتداولة، تم تقسيم الدفاعات إلى ثلاث طبقات:
الخط الأول: انتشار أسلحة خفيفة ومتوسطة، إضافة إلى مضادات للدبابات، بهدف صد أي تقدم مباشر.
الخط الثاني: يضم ناقلات جند مدرعة، مدافع هاون، وبطاريات مدفعية، لتأمين إسناد ناري متوسط المدى.
الخط الثالث: يتركز فيه استخدام المدفعية بعيدة المدى والطائرات المسيّرة الانتحارية، مع الاستعانة بشبكة أنفاق عميقة لإخفاء الأسلحة وتجنب الاستهداف المباشر.
وتسعى "قسد" من خلال هذه المنظومة إلى ربط الخطوط الدفاعية الثلاثة بخط رابع مخصص لنقل الإمدادات والذخيرة، عبر شبكة أنفاق واسعة شرق الفرات، ما يسمح لها بمرونة لوجستية أكبر في حال اندلاع مواجهات.
أنفاق حقيقية وأخرى وهمية
لم تقتصر الخطة على تحصينات فوق الأرض، بل شملت عمليات حفر مكثفة للأنفاق، بعضها يستخدم لعبور الأفراد والمركبات أو كملاجئ ومراكز قيادة، فيما بدأ العمل على أنفاق وهمية ملغومة لاستخدامها كتكتيك دفاعي مضاد.
هذه الأنفاق تنتشر خصوصاً في الرقة، الطبقة، سد تشرين بريف حلب، وحوض نهر الفرات. وبحسب خبراء في الموارد المائية، فإن بعضها محفور في مناطق مرتفعة المياه الجوفية، ما قد يشكل خطراً على المباني العامة والمستشفيات والمدارس، في حال انهيار التربة أو وقوع انفجارات تحت الأرض.
مخاوف من كارثة عمرانية
يحذر مختصون من أن شبكة الأنفاق قد تتحول إلى قنبلة موقوتة تحت المدن، إذ إن ترابطها تحت المنشآت الحيوية قد يؤدي إلى انهيارات مفاجئة في حال تعرضت لضغوط أو هجمات. ويشير بعض الخبراء إلى أن أي انفجار منخفض القوة قد يتسبب بانهيار مبانٍ سكنية أو خدمية بالكامل، بما يخلّف خسائر بشرية جسيمة.
تحركات موازية للجيش التركي
في مقابل ذلك، واصلت تركيا تعزيز وجودها العسكري على طول خطوط التماس مع "قسد". فقد أرسلت تعزيزات ثقيلة إلى ريف منبج الشرقي، وتحديداً إلى محيط قرية قرقوزاك، بالتزامن مع نشر مدافع وأنظمة تشويش متطورة على جبهة سد تشرين. هذه الخطوة تعكس استمرار التوتر الميداني، وإمكانية تجدد العمليات العسكرية في أي لحظة، خاصة مع تبادل الاتهامات بين الطرفين حول الخروقات الأمنية.
سياق أوسع من التوترات
تأتي هذه التطورات في ظل مشهد معقد يتداخل فيه العاملان المحلي والإقليمي. فمن جهة، تسعى "قسد" إلى تثبيت نفسها كقوة أمر واقع شرق الفرات، عبر تعزيز قدراتها الدفاعية. ومن جهة أخرى، لا تخفي تركيا نيتها في منع أي وجود عسكري تعتبره مهدداً لأمنها القومي على حدودها الجنوبية. أما الحكومة السورية، فترى في تحركات "قسد" تحدياً لسيادتها، وتواصل الضغط لفرض سيطرتها على كامل الأراضي السورية.
احتمالات التصعيد
المؤشرات الحالية توحي بأن المنطقة مقبلة على مرحلة أكثر تعقيداً، إذ إن بناء خطوط دفاعية متقدمة يقابله تعزيزات تركية مستمرة، ما يزيد احتمالات اندلاع جولة جديدة من المواجهات. يبقى المدنيون في شمال وشرق سوريا عرضة لمخاطر أمنية وإنسانية متصاعدة.