تشهد الساحة اللبنانية حراكاً سياسياً وعسكرياً متسارعاً، تزامناً مع زيارة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى بيروت، في إطار متابعة خطة الحكومة المتعلقة بحصر السلاح بيد الدولة. الزيارة التي توصف بأنها الأولى بهذا الحجم منذ إعلان مجلس الوزراء قراره الأخير، تكتسب طابعاً بالغ الأهمية لارتباطها المباشر بخطة الجيش الممتدة على خمس مراحل، تبدأ من جنوب الليطاني وصولاً إلى الشمال والبقاع وبيروت وضواحيها، على أن تشمل لاحقاً جمع السلاح الفلسطيني.
خمس مراحل دقيقة
الخطة الموضوعة ترتكز على مقاربة تدريجية. ففي مرحلتها الأولى، جرى العمل على تثبيت انتشار الجيش جنوب نهر الليطاني، مع تعزيز التنسيق مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل). أما المرحلة الثانية، فتتمثل في احتواء السلاح في مختلف المناطق اللبنانية، من خلال منع حمله أو نقله، وإغلاق المنشآت العسكرية غير الرسمية، وضبط الحدود بما يضمن عدم إطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية. وتشير المعلومات المتداولة إلى أن استكمال هذه المرحلة في شمال الليطاني قد يحتاج إلى مهلة زمنية تقارب السنة.
زيارة تحمل رسائل
زيارة أورتاغوس إلى بيروت لا تقتصر على الطابع البروتوكولي، بل تحمل في طياتها رسائل أميركية واضحة. فهي ستجتمع مع اللجنة المشرفة على تنفيذ اتفاق وقف الأعمال القتالية الذي دخل حيّز التنفيذ في تشرين الثاني الماضي. الهدف الأساس، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة، هو تأكيد أولوية الولايات المتحدة في أن يكون السلاح محصوراً بيد الدولة اللبنانية وحدها.
لقاءات رفيعة المستوى
إلى جانب أورتاغوس، يشارك في الاجتماعات وفد أميركي عسكري رفيع المستوى بقيادة قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي الأميرال براد كوبر. الوفد التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقائد الجيش العماد رودولف هيكل، حيث جرى البحث في آليات دعم الجيش اللبناني، ومتابعة تنفيذ الخطة الحكومية. كما شدد الجانب الأميركي على تفعيل عمل اللجنة الخماسية المكلفة مراقبة وقف الأعمال العدائية، بما يضمن منع أي خرق قد يعيد التوتر إلى الجنوب.
الموقف اللبناني
خلال استقباله كوبر، جدّد الرئيس عون مطالبة واشنطن بالضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي اللبنانية في الجنوب، بما يسمح للجيش بالانتشار الكامل حتى الحدود الدولية. كما دعا إلى تفعيل لجنة وقف الأعمال العدائية، مؤكداً أن نجاح خطة حصر السلاح يرتبط بشكل وثيق بوقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وبالعمل على استعادة الأسرى وتطبيق القرار الدولي 1701 بكافة بنوده.
عون أوضح أن الجيش اللبناني تمكن حتى الآن من التمركز في أكثر من 85% من المنطقة الواقعة جنوب الليطاني، ويواصل جهوده في مصادرة الأسلحة والذخائر ومنع المظاهر المسلحة، رغم التحديات الجغرافية والظروف الميدانية المعقدة.
الموقف الدولي
الدعم الدولي للخطة اللبنانية لم يقتصر على واشنطن. فقد رحبت باريس باعتماد الحكومة للخطة، ودعت جميع الأطراف إلى دعم تنفيذها بشكل فوري وسلمي، مؤكدة أن استقرار لبنان وسيادته يشكلان أولوية للمجتمع الدولي. وزارة الخارجية الفرنسية شددت على أن هذه الخطوة تمثل مدخلاً أساسياً لإعادة الإعمار والازدهار الاقتصادي، إضافة إلى الحفاظ على وحدة لبنان ضمن حدوده المعترف بها دولياً، وبناء علاقات طبيعية وسلمية مع دول الجوار.
فرنسا أكدت أيضاً استمرارها في التنسيق مع شركائها الأوروبيين والأميركيين والإقليميين لدعم لبنان، سواء عبر المشاركة في آلية مراقبة وقف الأعمال العدائية، أو من خلال المساهمة في تمويل ودعم القوات المسلحة اللبنانية. كما أبدت استعدادها لاستضافة مؤتمرين دوليين لدعم الجيش وإعادة إعمار المناطق المتضررة، فور توافر الظروف الملائمة لذلك.
التحديات المقبلة
رغم الترحيب السياسي والدولي، تبقى التحديات على الأرض كبيرة. فالمرحلة الثانية من الخطة المتعلقة بشمال الليطاني وما بعدها، تتطلب جهوداً ميدانية مضاعفة، نظراً لتعدد القوى المسلحة غير الرسمية وتشابك الملفات الأمنية. كذلك، يطرح ملف السلاح الفلسطيني داخل المخيمات نفسه كأحد أصعب الملفات التي تحتاج إلى معالجة دقيقة، لتجنب أي تداعيات إنسانية أو اجتماعية.
إلى ذلك، يبرز عنصر الوقت كعامل ضاغط، إذ تتطلب بعض مراحل الخطة، خصوصاً تلك المرتبطة بضبط الحدود ومنع إطلاق الصواريخ، جهداً طويل الأمد قد يمتد لسنة أو أكثر. ومع ارتباط الدعم المالي الدولي بتنفيذ الخطة بحذافيرها، يجد لبنان نفسه أمام معادلة دقيقة تفرض التزاماً صارماً وتعاوناً كاملاً بين الدولة والفصائل والمجتمع الدولي.