شهدت المخيمات الفلسطينية في العاصمة اللبنانية بيروت خلال اليومين الماضيين توترات أمنية متصاعدة، تمثلت في اشتباكات مسلحة اندلعت في مخيمي برج البراجنة وشاتيلا. وقد استخدمت خلال المواجهات أسلحة رشاشة وقذائف صاروخية، ما أدى إلى إصابة عدد من الأشخاص بجروح متفاوتة الخطورة، إضافة إلى تضرر ممتلكات ونزوح عائلات من داخل المخيمين إلى مناطق أكثر أماناً. ولم يقتصر الأمر على داخل المخيمات، بل امتد تأثير الرصاص الطائش إلى الشوارع والمناطق المحيطة، مسبباً حالة من القلق لدى سكان العاصمة.
أسباب الاشتباكات: عائلية وأمنية
أجمعت مصادر أمنية لبنانية وأخرى فلسطينية على أن خلفية الاشتباكات في مخيم برج البراجنة تعود إلى خلاف عائلي متجدد منذ فترة، بينما تعود أحداث شاتيلا إلى صراع بين مجموعات تعمل في تجارة المخدرات وخارجين عن القانون. هذا التوصيف أظهر أن الصراعات ليست دائماً ذات طابع سياسي أو فصائلي، بل غالباً ما ترتبط بخلافات فردية أو مصالح اقتصادية غير مشروعة.
موقف الجيش اللبناني
من جانبه، أوضح مصدر أمني لبناني أن الجيش تحرك سريعاً خلال الاشتباكات لمنع توسعها إلى خارج حدود المخيمات، مؤكداً أن التدابير جاءت لضمان عدم انتقال الفوضى إلى الأحياء المجاورة. وأكد المصدر أن الجيش لا يملك حالياً أي توجه للدخول إلى المخيمات بهدف التصدي المباشر للاشتباكات، لكنه أشار إلى أن مجرد التلويح بالتدخل من قبل الجيش أسهم في تهدئة الوضع مؤقتاً داخل مخيم برج البراجنة.
سلاح غير منضبط
ملف السلاح داخل المخيمات يظل نقطة خلافية مزمنة. فقد قامت حركة فتح مؤخراً بتسليم جزء من أسلحتها المتوسطة والثقيلة في برج البراجنة، في خطوة وصفت بأنها بداية مسار لإنهاء المظاهر المسلحة غير الرسمية. غير أن باقي الفصائل الفلسطينية، إضافة إلى بعض المجموعات والعائلات، ما زالت تحتفظ بترسانتها من الأسلحة وتستخدمها عند أي نزاع.
مصدر فلسطيني قيادي اعتبر أن السلاح المتفلت يمثل تهديداً ليس فقط لداخل المخيمات بل للبنان كله، لافتاً إلى أن غياب قوة رادعة واضحة يتيح للخارجين عن القانون التصرف بحرية. وأضاف أن القوى الفلسطينية، نتيجة خلافاتها السياسية والتنظيمية، غير قادرة اليوم على ضبط الوضع الأمني بشكل كامل.
هواجس من تدخل خارجي
في موازاة ذلك، عبّر مصدر فلسطيني آخر عن خشيته من وجود "طابور خامس" يسعى إلى إشعال التوتر داخل المخيمات. وأشار إلى أن بعض سكان مخيم شاتيلا تحدثوا عن دخول شخص غريب إلى المخيم، قام بإطلاق النار على منازل مجموعات متخاصمة ثم انسحب سريعاً، ما زاد من تعقيد الوضع الأمني وأثار الشكوك حول أطراف خارجية تستفيد من استمرار الفوضى.
مبادرات مؤجلة
قبل انطلاق عملية تسليم السلاح، شهدت الساحة الفلسطينية الداخلية في لبنان مشاورات مكثفة لتشكيل لجنة أمنية مشتركة تضم مختلف الفصائل، بهدف ضبط الأمن داخل المخيمات وإيجاد آلية تعاون تمنع الانفلات. هذه المشاورات وصلت إلى مراحل متقدمة، لكن الخلافات حول تفاصيل تسليم السلاح وكيفية إدارة الملف أدت إلى تجميدها. وبذلك بقي الوضع الأمني هشاً، يخضع لتوازنات هشة بين الفصائل والجهات المسلحة الأخرى.
تأثيرات إنسانية واجتماعية
الاشتباكات الأخيرة كان لها أثر مباشر على المدنيين داخل المخيمات. فقد اضطرت عائلات إلى النزوح، فيما لجأ آخرون إلى البقاء في منازلهم وسط ظروف صعبة، خشية التعرض للرصاص أو القذائف. كما تضررت محال تجارية ومنازل بفعل تبادل إطلاق النار، ما زاد من معاناة سكان يعيشون أصلاً أوضاعاً اقتصادية واجتماعية صعبة نتيجة البطالة وغياب الخدمات الأساسية.
أبعاد لبنانية وفلسطينية
يرى مراقبون أن تكرار هذه الاشتباكات يسلط الضوء على معضلة أمنية أوسع مرتبطة بالمخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث يتداخل البعد الأمني مع السياسي والاجتماعي. فبينما تسعى بعض القوى الفلسطينية إلى تخفيف التوتر عبر خطوات عملية كالتسليم التدريجي للسلاح، تبقى مخاوف الدولة اللبنانية من انتقال الفوضى قائمة. في المقابل، يعكس المشهد انقساماً فلسطينياً داخلياً، يجعل من الصعب الوصول إلى إدارة موحدة تضمن أمن المخيمات وسلامة سكانها.
الأحداث في برج البراجنة وشاتيلا تؤكد أن أمن المخيمات الفلسطينية في لبنان لا يزال رهينة السلاح غير المنضبط والخلافات الداخلية، إضافة إلى تدخلات محتملة لعوامل خارجية. وبينما يستمر الحديث عن حلول مؤجلة ولجان مشتركة لم تبصر النور بعد، يبقى المدنيون هم الضحايا الأوائل، في انتظار مقاربة شاملة توازن بين متطلبات الأمن وحقوق اللاجئين، وتضع حداً لدوامة العنف المتكرر.