شهد العالم في الساعات الأخيرة حالة استنفار رقمي بعد الإعلان عن تعرض عدة كابلات إنترنت بحرية دولية للقطع في البحر الأحمر، وهو ما قد ينعكس مباشرة على سرعة الاتصال بالإنترنت في قارتي آسيا وأوروبا، حيث تمر نسبة كبيرة من حركة البيانات الدولية عبر هذه المسارات الحيوية.
تأتي هذه التطورات في وقت يعتمد فيه العالم أكثر من أي وقت مضى على البنية التحتية الرقمية. فالكابلات البحرية التي تمتد لآلاف الكيلومترات تحت سطح المياه تُعد بمثابة الشرايين الرئيسية التي تغذي الاقتصاد العالمي وتربط بين القارات عبر شبكة الإنترنت. وأي انقطاع أو عطل في هذه الكابلات يترك أثره فوراً على الشركات والأفراد والحكومات على حد سواء.
إعادة توجيه حركة البيانات
أوضحت مايكروسوفت أن فرقها الهندسية نجحت في إعادة توجيه جزء كبير من حركة مرور البيانات عبر مسارات بديلة، ما سمح باستمرار الخدمات وعدم توقفها بشكل كامل. إلا أن الشركة حذرت في الوقت نفسه من أن المستخدمين قد يواجهون "زمن وصول أطول"، أي تأخراً ملحوظاً في سرعة استجابة الخدمات الرقمية، خصوصاً في مناطق الشرق الأوسط وآسيا وأجزاء من أوروبا.
الانقطاعات في الكابلات البحرية ليست حدثاً نادراً، لكنها غالباً ما تثير القلق لارتباطها المباشر بقطاع الأعمال الحيوي. فخدمات الحوسبة السحابية، مثل منصة "آزور" التابعة لمايكروسوفت، تُستخدم من قبل مئات آلاف الشركات والمؤسسات حول العالم، بما في ذلك قطاعات حساسة كالبنوك، والطب، والتعليم، والخدمات الحكومية.
البحر الأحمر… نقطة ضعف استراتيجية
يمثل البحر الأحمر أحد أهم الممرات الاستراتيجية للكابلات البحرية، إذ يربط بين آسيا وأوروبا عبر قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط. مرور هذا الكم الهائل من الكابلات في منطقة جغرافية ضيقة يجعلها عرضة للأعطال، سواء بسبب عوامل طبيعية، كالنشاط الزلزالي أو التغيرات الجيولوجية، أو نتيجة أنشطة بشرية كالحروب أو حوادث السفن.
خبراء الاتصالات يحذرون منذ سنوات من هشاشة البنية التحتية للإنترنت العالمي، مؤكدين أن الاعتماد شبه الكلي على بضعة ممرات بحرية رئيسية يشكل نقطة ضعف حقيقية قد تنعكس بتداعيات واسعة على الاقتصاد الرقمي العالمي إذا ما تعرضت لأعطال متكررة.
أثر مباشر على المستخدمين
بالنسبة للمستخدم العادي، قد يظهر أثر هذه الأزمة في شكل بطء في تحميل المواقع، أو تأخر في خدمات البث والفيديو، أو صعوبة في الوصول إلى بعض التطبيقات التي تعتمد على خوادم في مناطق متأثرة. أما بالنسبة للشركات الكبرى، فإن التأثير قد يكون أشد، حيث يؤدي تأخر ثوانٍ قليلة في معالجة البيانات إلى خسائر مالية بملايين الدولارات يومياً.
رغم ذلك، تؤكد مايكروسوفت أن خدماتها الأساسية لم تتوقف، وأن الإجراءات التي اتخذتها لتغيير مسارات البيانات ضمنت استمرار العمل بشكل شبه طبيعي، وإن كان بزمن استجابة أطول.
أبعاد سياسية وتقنية
هذه الحادثة أعادت إلى الواجهة النقاش حول أبعاد أمنية وسياسية تتعلق بالتحكم في الكابلات البحرية. فهذه الشبكات لا تمثل مجرد بنية تحتية تقنية، بل أصبحت أداة جيوسياسية حساسة. الدول الكبرى تدرك أن السيطرة على طرق الكابلات تمنحها نفوذاً في زمن تحوّل العالم إلى اقتصاد رقمي متسارع.
كما أن الشبهات تتزايد حول احتمالية استغلال هذه الكابلات لأغراض التجسس أو المراقبة. فالتقنيات الحديثة تتيح، من الناحية النظرية، اعتراض البيانات المنقولة عبر الألياف الضوئية، ما يجعلها محط اهتمام عسكري واستخباراتي لدى العديد من الدول.
مستقبل تحت الضغط
مع تزايد الأعطال والأزمات، تتجه شركات التكنولوجيا العالمية إلى البحث عن حلول بديلة أكثر أماناً وموثوقية. من بين هذه الحلول إطلاق أقمار صناعية للاتصالات لتوفير الإنترنت، كما تفعل شركات مثل "ستارلينك"، غير أن هذه البدائل لا تزال بعيدة عن منافسة الكابلات البحرية في سرعة نقل البيانات وحجمها.
ختاماً، يكشف انقطاع الكابلات في البحر الأحمر مرة أخرى هشاشة الشبكة التي يعتمد عليها العالم في كل تفاصيل حياته اليومية. وإذا كان المستخدمون قد شعروا اليوم بتباطؤ محدود، فإن الأعطال الكبرى المقبلة قد تكون أكثر تأثيراً، ما يجعل الاستثمار في تعزيز البنية التحتية وحمايتها من المخاطر الطبيعية والسياسية مسألة لا تحتمل التأجيل.