بين الحكومة و"قسد": الطريق إلى المصالحة

وكالة أنباء آسيا

2025.09.06 - 11:14
Facebook Share
طباعة

 تشهد العلاقة بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" حالة من الترقب والاختبار، بعد سلسلة اجتماعات عقدها ممثلو الطرفين في مدينة حلب لبحث آليات تنفيذ اتفاق تم التوصل إليه في مطلع نيسان الماضي. الاتفاق، الذي يتضمن 14 بنداً، يركّز على خفض التوتر في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية، ويهدف إلى تعزيز الاستقرار وحماية المدنيين عبر لجان مشتركة تُعنى بمتابعة تنفيذه.


محاولات لخفض التصعيد
الاجتماع الأخير بين وفود الحكومة و"قسد" لم يكن الأول، لكنه جاء في وقت حساس، إذ رافقته تحركات عسكرية أثارت مخاوف السكان من تجدد المواجهات. الطرفان توصلا إلى تفاهم يقضي بوقف الحشود العسكرية الحكومية المحيطة بالحيين، وتفعيل قنوات التواصل المباشر عبر لجان دورية، في خطوة وُصفت بأنها اختبار لجدية الطرفين في التهدئة.


هذا التفاهم لا يعني أن الطريق بات سهلاً، لكنه يشير إلى وجود قناعة مشتركة بأن التصعيد العسكري لم يعد خياراً مقبولاً، خصوصاً في مناطق مكتظة بالمدنيين وتعاني أساساً من أزمات معيشية خانقة.


البعد المحلي للاتفاق
من الناحية العملية، يهدف الاتفاق إلى تسهيل حركة الدخول والخروج من الأحياء، وتنظيم الأمن الداخلي بشكل يحمي المدنيين ويعزز الثقة المتبادلة. سكان الشيخ مقصود والأشرفية عاشوا سنوات طويلة من الضغوط، سواء عبر التوترات الأمنية أو القيود المفروضة على الخدمات والمواد الأساسية. لذا، فإن أي خطوة لتخفيف هذه المعاناة تُعد مطلباً ملحّاً للسكان، وقد تشكل بداية لإعادة بناء الثقة بين الأهالي والسلطات.


ارتباط الملف بالتحولات الإقليمية
المحادثات بين دمشق و"قسد" لا يمكن فصلها عن السياق الإقليمي والدولي الأوسع. إذ التقى القائد العام لـ "قسد" مظلوم عبدي مؤخراً بقائد القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم"، حيث جرى التأكيد على استمرار الدعم الأميركي لـ"قسد" في مواجهة تنظيم "داعش"، إضافة إلى تأمين السجون والمخيمات التي تضم عناصر التنظيم وعائلاتهم. هذا الدعم يعزز من موقع "قسد" التفاوضي.


مطالب بالإدارة اللامركزية
على المستوى السياسي، يطرح قادة "قسد" والأحزاب المنضوية ضمن "الإدارة الذاتية" مشروعهم المتمثل في نظام حكم لا مركزي، يرونه الضمانة الوحيدة للحفاظ على وحدة سوريا ومنع تكرار أخطاء الماضي. هذا الطرح يلقى رفضاً ضمنياً من دمشق التي ما تزال تتمسك بمفهوم الدولة المركزية، لكنه يفتح الباب أمام نقاش محتمل حول أشكال "الشراكة" في الحكم وصياغة الدستور.


يرى قادة الإدارة أن مشروعهم لا يعني تقسيم البلاد، بل يهدف إلى توزيع السلطات بشكل يتيح مشاركة جميع المكوّنات في صنع القرار. وهم يصرّون على أن أي تسوية سياسية أو انتخابات أو حكومة مستقبلية لا يمكن أن تُكتب لها الاستمرارية دون إشراكهم.


تعقيدات إضافية
لا تقتصر التعقيدات على دمشق و"قسد" وحدهما، فالموقف التركي يمثل عاملاً حاسماً. فأنقرة تنظر بعين الريبة إلى أي تفاهم قد يمنح "قسد" مزيداً من الشرعية، بينما يشير بعض المسؤولين الأكراد إلى إمكانية تحسين العلاقات مع تركيا إذا ما فُتح مسار حوار مباشر.


إلى جانب ذلك، يظل العامل الاقتصادي حاضراً بقوة، إذ تسيطر "قسد" على مناطق غنية بالموارد مثل النفط والقمح، ما يجعلها طرفاً لا يمكن تجاهله في أي معادلة تتعلق بإعادة الإعمار أو إدارة الموارد الوطنية. هذا الواقع يزيد من أهمية التفاهم بين الطرفين، لكنه في الوقت نفسه يضاعف من صعوبة المفاوضات بسبب تضارب المصالح.


قراءة في المستقبل القريب
من غير المتوقع أن يسفر الاتفاق الأخير عن اختراق سياسي سريع، لكن مجرد استمرار اللقاءات يعد مؤشراً على رغبة الطرفين في إبقاء باب الحوار مفتوحاً. السيناريو الأكثر ترجيحاً هو الدخول في مرحلة "تجريبية" يختبر فيها كل طرف جدية الآخر في الالتزام بالتفاهمات، خصوصاً ما يتعلق بحماية المدنيين ووقف التصعيد العسكري.


في المقابل، فإن أي خرق كبير للاتفاق قد يعيد الأمور إلى نقطة الصفر، ويزيد من حالة عدم الثقة التي تراكمت عبر السنوات الماضية.


بين الضغط الدولي والواقع المحلي
تبدو العلاقة بين دمشق و"قسد" محكومة بعاملين متناقضين: الأول هو الضغوط الدولية والإقليمية التي تعزز من حضور "قسد" وتمنحها غطاء سياسياً وعسكرياً، والثاني هو الواقع المحلي الذي يفرض عليها التفاهم مع دمشق لتجنب عزل نفسها عن باقي الجغرافيا السورية.


هذا التناقض يجعل مسار التفاوض معقداً، لكنه في الوقت نفسه يتيح فرصة لإيجاد تسويات مرنة تقوم على تقاسم النفوذ تدريجياً، بعيداً عن الحسم العسكري الذي أثبت فشله في السنوات السابقة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 2