سوريا في الاقتصاد الرقمي.. بين الحلم والتحدي

وكالة أنباء آسيا

2025.09.06 - 10:29
Facebook Share
طباعة

 بعد أكثر من عقدين من الحظر، تعود خدمات غوغل الإعلانية إلى سوريا في خطوة توصف بأنها مفصلية في مسار الاقتصاد الرقمي المحلي. القرار، الذي دخل حيز التنفيذ في 13 آب 2025، أعاد فتح ثلاث منصات رئيسية هي: "غوغل آدز"، و"غوغل آد إكستشينج"، و"مدير الإعلانات"، أمام الناشرين والمعلنين السوريين، بعد سنوات من العزلة التي فرضتها العقوبات الأميركية. هذه العودة تحمل بين طياتها الكثير من الفرص، لكنها تضع أيضاً أمام السوريين تحديات بنيوية قد تعرقل تحقيق الاستفادة الكاملة.


من العزلة الرقمية إلى الانفتاح
طوال سنوات الحظر، حُرم السوريون من أدوات الإعلان الرقمي التي أصبحت في العالم المتقدم الركيزة الأساسية للتجارة الإلكترونية والإعلام المستقل والتسويق العالمي. الشركات الصغيرة والناشئة اضطرت لاستخدام حلول بديلة كشبكات VPN أو وسطاء خارجيين، لكنها كانت حلولاً مكلفة وغير شفافة. هذا الوضع جعل السوق السورية شبه معزولة عن الاقتصاد الرقمي العالمي، في الوقت الذي كانت فيه دول الجوار تشهد نمواً متسارعاً في مجالات التجارة الإلكترونية والإعلام الرقمي.


الأثر الاقتصادي المباشر
عودة غوغل إلى سوريا ستفتح الباب أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة للانخراط مجدداً في السوق الرقمية العالمية. بإمكان المتاجر الإلكترونية، والمطاعم، والمراكز التعليمية الآن استهداف جمهور محدد بكلفة أقل وفعالية أعلى. كما أن قطاع الإعلام الرقمي يمكن أن يستعيد عوائد AdSense، ما يمنحه دفعة للاستمرار والاستقلالية.


أما قطاع الأعمال الحرة، فسيكون من أبرز المستفيدين. المستقلون الذين كانوا يعملون بطرق ملتوية سيتمكنون من تسويق خدماتهم بشكل قانوني ومنظم، والتعامل مع عملاء عالميين بثقة أكبر. هذا التحول قد يجذب أيضاً اهتمام المستثمرين المحليين والإقليميين، خصوصاً مع وجود جيل جديد من رواد الأعمال يسعى للانخراط في الاقتصاد المعرفي.


بين الفرص والتحديات
رغم التفاؤل، فإن الطريق ليس مفروشاً بالورود. ضعف البنية التحتية للإنترنت، وانقطاع الكهرباء المتكرر، والافتقار إلى أنظمة دفع إلكترونية معترف بها عالمياً، كلها عوامل تهدد بتقليص أثر هذا الانفتاح. الشركات الناشئة قد تجد نفسها أمام معضلة: أدوات إعلانية متاحة لكن بيئة تشغيلية غير مهيأة.


من هنا، تبدو الحاجة ملحة إلى إصلاحات متوازية تشمل تحديث شبكات الاتصال، تطوير تشريعات تحمي التجارة الإلكترونية والملكية الفكرية، وإيجاد حلول للدفع الإلكتروني تربط سوريا بالمنظومة المالية العالمية. بدون هذه الخطوات، قد تتحول عودة غوغل إلى مجرد فرصة ضائعة.


الأبعاد الاجتماعية والثقافية
الأثر لا يتوقف عند حدود الاقتصاد. على المستوى الفردي، تفتح هذه الخطوة أبواباً جديدة للشباب السوري الباحث عن فرص عمل عبر الإنترنت. التسويق الرقمي وصناعة المحتوى والتعليم الإلكتروني مجالات قد تشهد انتعاشاً ملحوظاً، بما يعزز ثقافة جديدة تعتمد على الاقتصاد المعرفي بدلاً من الاقتصار على القطاعات التقليدية.


اجتماعياً، قد يسهم القرار في تقليص اعتماد السوريين على أساليب ملتوية مثل VPN، ويزيد من انخراطهم المباشر في بيئة رقمية عالمية، ما يرفع مستوى الشفافية ويعزز التفاعل الثقافي والمعرفي مع الخارج.


البعد الإقليمي والجيو-اقتصادي
لا يمكن قراءة هذه الخطوة بمعزل عن السياق الإقليمي. فالشرق الأوسط يعيش طفرة في التحول الرقمي، تقودها دول مثل الإمارات والسعودية وتركيا. إعادة إدماج سوريا في المنظومة الإعلانية لغوغل يضعها على مسار جديد يمكن أن يفتح المجال لتعاون إقليمي، وجذب شركات تبحث عن أسواق ناشئة منخفضة المنافسة.


لكن في المقابل، فإن استمرار غياب خدمات أخرى أساسية مثل أنظمة آبل للدفع يترك فجوة كبيرة قد تحد من اكتمال المنظومة الرقمية في البلاد.


بين التفاؤل والواقعية
عودة غوغل تمثل بلا شك خطوة فارقة، لكنها ليست حلاً سحرياً. الفرصة قائمة لإعادة بناء السوق الرقمية، وإدماج سوريا في الاقتصاد العالمي، وتمكين الشباب والشركات من أدوات طال انتظارها. لكن تحقيق هذه المكاسب يحتاج إلى رؤية وطنية واضحة، واستثمارات في البنية التحتية، وإصلاحات قانونية ومالية جذرية.


بمعنى آخر، غوغل أعادت الأدوات، لكن نجاح سوريا في الاستفادة منها يعتمد على قدرة الفاعلين المحليين على تحويل هذه الأدوات إلى قوة تنافسية مستدامة. وإلا، فإن هذه الفرصة قد تبقى حبراً على ورق، في انتظار من يلتقطها ويديرها بذكاء.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 7