بين الخطاب والواقع.. كيف يواجه مؤتمر حل الدولتين إرث الفشل التاريخي؟

2025.09.06 - 09:42
Facebook Share
طباعة

في لحظة مشحونة بتصاعد الحرب على غزة وتفاقم الأزمات الإقليمية، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة استئناف مؤتمر رفيع المستوى حول حل الدولتين، يوم 22 سبتمبر الجاري، في خطوة وصفت بأنها محاولة "إنعاش سياسي" لمسار مجمد منذ سنوات. المبادرة جاءت على أساس اقتراح شفهي تقدمت به السعودية، لتعيد النقاش حول أكثر الملفات حساسية في الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. غير أنّ غياب الولايات المتحدة وإسرائيل، وإمكانية تعذّر مشاركة القيادة الفلسطينية نفسها، يضع علامات استفهام كبيرة حول قدرة المؤتمر على تجاوز الطابع الرمزي إلى التأثير العملي.

 


انسحاب واشنطن وتل أبيب: ضربة مبكرة

إسرائيل سارعت إلى إعلان انسحابها من المؤتمر، معتبرة أن إعادة إطلاقه في ظل الحرب سيعني "منح حماس شرعية سياسية وتشجيع استمرار القتال". الموقف الأمريكي لم يختلف كثيراً، إذ أعلنت إدارة بايدن رفضها المشاركة بحجة أن المؤتمر "لن يخدم الجهود المبذولة لوقف التصعيد". هذا الانسحاب المزدوج يسلّط الضوء على عزلة متزايدة تعيشها الولايات المتحدة وإسرائيل في الساحة الأممية، لكنه في الوقت نفسه يُفقد المؤتمر أهم طرفين قادرين على التأثير المباشر في مسار أي تسوية.

الدور السعودي: تحرك يتجاوز الرمزية

اللافت في المشهد هو أن الاقتراح جاء سعودياً، ما يعكس رغبة الرياض في استعادة موقعها كوسيط إقليمي في القضية الفلسطينية. فالسعودية التي انشغلت في السنوات الأخيرة بملفات التطبيع غير المباشر، والوساطات مع إيران واليمن، تعود اليوم إلى قلب القضية الفلسطينية، ربما لتوازن بين ضغوط الداخل العربي والرهانات الدولية. هذا التحرك قد يُقرأ أيضاً كجزء من استراتيجية سعودية لإثبات أن التطبيع مع إسرائيل – الذي كان مطروحاً بقوة قبل الحرب – لا يمكن أن يمضي دون حل عادل للقضية الفلسطينية.

الغياب الفلسطيني: المعضلة الأبرز

رغم أن المؤتمر مخصص لدعم حل الدولتين، إلا أن مشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ما زالت غير مؤكدة، بسبب القيود الأمريكية على منح تأشيرات للمسؤولين الفلسطينيين. غياب القيادة الفلسطينية، إذا تحقق، سيضعف بشكل كبير من جدية المؤتمر، وسيمنح إسرائيل حجة إضافية للتشكيك في شرعيته. كما يثير الأمر جدلاً حول مفارقة أن يناقش العالم مستقبل فلسطين في غياب الفلسطينيين أنفسهم.

 

التوقيت يضفي على المؤتمر بعداً استثنائياً. فبينما تتواصل العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة مخلفة آلاف القتلى والجرحى ودماراً هائلاً للبنية التحتية، يفتح المؤتمر نافذة سياسية تبدو في ظاهرها متفائلة، لكنها قد تصطدم سريعاً بجدار الواقع الميداني. فكيف يمكن الحديث عن "حل الدولتين" في لحظة يعيش فيها الفلسطينيون تهجيراً واسع النطاق، وتلوّح إسرائيل بخطط إعادة رسم خريطة القطاع بالقوة؟

 


محاولات إحياء مسار حل الدولتين ليست جديدة. فمنذ مؤتمر مدريد 1991، واتفاق أوسلو 1993، مروراً بمحادثات كامب ديفيد وأنابوليس، وصولاً إلى خطة "صفقة القرن" في عهد ترامب، لم يتمكن المجتمع الدولي من فرض تسوية دائمة. السبب الرئيسي ظل ثابتاً: الانحياز الأمريكي لإسرائيل، وتوسع الاستيطان في الضفة الغربية، والانقسام الفلسطيني الداخلي.

اليوم، مع اندلاع حرب غزة التي أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الأجندة العالمية، تجد الأمم المتحدة نفسها مطالَبة بإثبات أنها ليست مجرد منصة للخطابات، بل ساحة يمكن أن تُطلق منها مبادرات جدية. غير أن غياب واشنطن وتل أبيب عن المؤتمر، وتهديد غياب القيادة الفلسطينية، يجعلان منه في أحسن الأحوال رسالة سياسية رمزية أكثر منه خطوة عملية نحو السلام.

 


إعادة إطلاق مؤتمر حل الدولتين في سبتمبر قد يُقرأ كتعبير عن إصرار المجتمع الدولي على إبقاء فكرة التسوية حية، حتى لو كانت فرص تطبيقها شبه معدومة في الوقت الراهن. السعودية أرادت أن تبعث برسالة مزدوجة: أن التطبيع لا يمكن أن يُستكمل دون حل عادل، وأن الرياض قادرة على لعب دور المبادِر لا المتلقي. لكن الواقع الميداني في غزة، والانقسامات الدولية، ورفض إسرائيل المطلق لأي تسوية خارج شروطها، تجعل من المؤتمر أقرب إلى منصة سياسية لإعادة التذكير بالقضية الفلسطينية، لا أكثر.


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 5