لبنان أمام استحقاق "حصر السلاح"… بين رهانات الداخل وضغوط الخارج

بيروت- وكالة أنباء آسيا

2025.09.05 - 11:31
Facebook Share
طباعة

يعود ملف السلاح حزب الله في لبنان إلى الواجهة من جديد، وهذه المرة من بوابة خطة الجيش اللبناني التي تُعرض اليوم على مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة الرئيس جوزيف عون. القرار الحكومي الذي صدر مطلع أغسطس الماضي حول "حصرية السلاح بيد الدولة" وضع البلاد أمام امتحان مصيري، تتداخل فيه الحسابات الداخلية المعقدة بالضغوط الخارجية المتصاعدة، لتتحول الجلسة الحكومية من شأن إداري إلى محطة سياسية مفصلية قد تحدد وجهة لبنان في المرحلة المقبلة.


---

خطة الجيش: محاولة لترجمة القرار الحكومي

الخطة التي سيعرضها قائد الجيش العماد رودولف هيكل أمام الحكومة، تتضمن – وفق تسريبات أولية – خطوات عملية لتجميع السلاح المنتشر خارج مؤسسات الدولة، عبر آلية تدريجية تبدأ بجمع الأسلحة الفردية، ثم التفاوض حول السلاح الثقيل الذي تحتفظ به بعض القوى، وعلى رأسها "حزب الله". الجيش يسعى لأن تكون الخطة متوازنة، بحيث تظهر الدولة بموقع القادر على فرض سيادتها، من دون أن تجر البلاد إلى مواجهة أهلية أو فراغ سياسي جديد.

غير أن السؤال الجوهري يظل مطروحًا: هل تملك الدولة اللبنانية – بظروفها الحالية – القدرة على تنفيذ مثل هذه الخطة، أم أنها أقرب إلى رسالة سياسية لطمأنة الخارج أكثر مما هي مشروع داخلي قابل للتطبيق؟


---

حزب الله: ثبات على الموقف ورفض للمساومة

في المقلب الآخر، يبقى موقف "حزب الله" ثابتًا ورافضًا لأي حديث عن تسليم سلاحه. الحزب يعتبر أن سلاحه يشكل عنصر الردع الأساسي في مواجهة إسرائيل، خصوصًا بعد التوترات الأخيرة على الحدود الجنوبية. ولعلّ السؤال الأبرز في جلسة اليوم يتمثل في ما إذا كان وزراء الحزب وحلفاؤه سيشاركون بشكل طبيعي في النقاشات، أم يختارون الانسحاب لتعطيل القرار الحكومي.

هذا الرفض ليس مجرد موقف داخلي، بل هو جزء من معادلة إقليمية أوسع ترتبط بالدور الإيراني في لبنان والمنطقة. فالحزب يرى نفسه رأس حربة في مشروع "محور المقاومة"، وأي تراجع عن السلاح يعني خسارة ورقة استراتيجية بالنسبة لإيران في مواجهة الضغوط الأميركية والإسرائيلية والخليجية.


---

ضغوط خارجية متعددة الاتجاهات

تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز كشف أن السعودية، رغم تشددها في ملف السلاح، لا تتوقع ردًا عسكريًا عنيفًا من الحزب في هذه المرحلة. لكنه حذّر من أن لبنان "يوشك على نفاد الوقت"، وأن المماطلة قد تضعه أمام احتمال خسارة الدعم المالي الأميركي والخليجي.

الولايات المتحدة: تربط استمرار دعم الجيش اللبناني بإحراز تقدم ملموس في ملف السلاح، وتلوّح بإجراءات قد تشمل تقليص المساعدات.

الخليج: ينظر إلى الموضوع كاختبار لمصداقية الحكومة الجديدة، وربطه بمسار المساعدات والاستثمارات.

إسرائيل: تراقب بدقة ما يجري، وسط تحذيرات من احتمال أن يؤدي أي تعثر داخلي إلى فتح الباب أمام عملية عسكرية جديدة ضد الحزب.


بهذا المعنى، تتحول خطة الجيش إلى ورقة ضغط إقليمية: فالمجتمع الدولي لا يطالب فقط بخطاب سياسي، بل بخطوات عملية على الأرض، وإلا فإن لبنان سيكون أمام خطر العزلة والانكشاف.


---

معادلة الداخل: انقسام عميق وتاريخ متكرر

في الداخل اللبناني، ينقسم المشهد بحدة:

فريق واسع من القوى السياسية يرى أن "لا دولة بلا حصرية السلاح"، وأن أي تهاون يعني تكريس ازدواجية السلطة.

في المقابل، قوى أخرى تعتبر أن توقيت فتح هذا الملف "ملغوم" في ظل الانهيار الاقتصادي والتوتر الإقليمي، وترى أن الأولوية يجب أن تكون للاستقرار لا للصدام.


هذه الانقسامات تعيد إلى الأذهان تاريخًا طويلًا من محاولات نزع السلاح منذ اتفاق الطائف عام 1989، حين جرى حلّ جميع الميليشيات باستثناء "حزب الله" الذي احتفظ بسلاحه تحت شعار "المقاومة ضد الاحتلال". ومنذ ذلك الحين، تحوّل السلاح إلى معضلة مزمنة تربط لبنان دومًا بالملفات الإقليمية.


---

خاتمة وخلفية

جلسة اليوم ليست مجرد اجتماع حكومي روتيني، بل مفترق طرق يختبر قدرة الدولة اللبنانية على حسم واحد من أكثر الملفات حساسية في تاريخها الحديث. فبين الضغوط الدولية والواقع الداخلي، يقف لبنان أمام خيارين: إما السير في مسار يعزز سيادة الدولة ويفتح باب الدعم الخارجي، أو البقاء في دائرة المراوحة التي قد تجر البلاد إلى مزيد من العزلة وربما مواجهة عسكرية.

يبقى أن التجربة اللبنانية أثبتت مرارًا أن ملف السلاح لا يُحسم داخل القاعات الحكومية وحدها، بل على طاولة أوسع تمتد من طهران إلى الرياض وواشنطن وتل أبيب. فهل تكون خطة الجيش بداية تحول جدي، أم مجرد فصل جديد في مسلسل المراوحة؟

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 5