مع استمرار العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ نحو عامين، تجاوزت عمليات الهدم حدود المواجهة العسكرية المباشرة، لتصبح منظومة متكاملة تجمع بين مصالح أمنية وتجارية واستيطانية. ووفق تحقيق صحيفة "هآرتس" العبرية، تشارك في هذه العمليات مجموعات استيطانية مستقلة، أبرزها مجموعة "قوة أوريا"، إلى جانب شركات مقاولات مدنية يديرها مستوطنون، بينها شركة شقيق رئيس جهاز الشاباك الجنرال في الاحتياط دافيد زيني، بتسلئيل زيني.
وتعمل هذه المجموعات خارج الأطر العسكرية الرسمية، وتستخدم جرافات ومعدات ثقيلة على مدار اليوم، مقابل أجور يومية عالية تصل إلى 6 آلاف شيكل (1800 دولار) لكل جرافة، مع توفير الجيش الإسرائيلي للوقود، عمليات التجنيد تتم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ويشكل "شبيبة التلال" المتطرفون جزءًا كبيرًا من هذه الفرق، التي تضم بين 10 و15 سائق جرافة من مستوطني الضفة الغربية وتعمل منذ نحو عام إلى جانب الوحدات العسكرية في غزة.
رغم عدم تبعيتها الرسمية للجيش، تؤكد المصادر الإسرائيلية وفق الصحيفة أن "قوة أوريا" تنفذ مهماتها بشكل مستقل، أحيانًا باستخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية داخل أنفاق ومبانٍ معرضة للخطر، وهو إجراء محظور بموجب قوانين الحرب، ما يضع الجنود والمواطنين على حد سواء أمام مخاطر مباشرة. سجلت حوادث إطلاق نار أصابت عناصر المجموعة، وهو ما يعكس عشوائية التعامل مع العمليات الميدانية.
أزمة نقص الجرافات المدرعة لدى الجيش الإسرائيلي، التي تراجعت من 20 لكل لواء إلى أقل من 10، دفعت قادة الوحدات إلى اللجوء لهذه المجموعات المستقلة دون انتظار دعم هندسي، ما يعكس تقاطع المصالح الأمنية والاقتصادية والعائلية في تنفيذ مشروع التدمير.
صحيفة "ذا ماركر" قدرت تكلفة هذه العمليات بـ100 مليون شيكل شهريًا (28.5 مليون دولار)، بينما وصل حجم الركام الناتج بين 60 و70 مليون طن، ومن المتوقع أن تتراوح تكلفة إزالته بين 8 و12 عامًا وقد تصل إلى مليار دولار.
وفق مراسل "ذا ماركر" حاجاي عميت، فإن التدمير لم يعد مجرد مرحلة عسكرية، بل مشروع طويل الأمد يمزج بين التدمير المادي والاستغلال الاقتصادي، ويترك غزة أمام تحديات غير مسبوقة من الخراب، فيما قد تتحول الأنقاض إلى مورد مستقبلي عبر إعادة التدوير أو بيع الحديد. هذا المشهد يعكس تحول الحرب في غزة إلى منظومة معقدة من مصالح أمنية وتجارية واستيطانية، تُنفَّذ بلا تخطيط استراتيجي معلن، لكنها بدقة ميدانية غير مسبوقة، لتترك أثرًا طويل المدى على القطاع ومواطنيه.