برج البراجنة: تاريخ متجدد للصراع في قلب بيروت

متابعات _ وكالة أنباء آسيا

2025.09.04 - 08:51
Facebook Share
طباعة

برج البراجنة من أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان وأكثرها تعقيداً من ناحية التاريخ والديموغرافيا والسياسة، تأسس عام 1948 بعد النكبة الفلسطينية لاستقبال اللاجئين من شمال فلسطين، ويقدر عدد السكان اليوم بأكثر من 40 ألف شخص وفق بيانات “الأونروا” لعام 2024، مع آلاف النازحين السوريين، ما رفع الكثافة السكانية إلى مستويات مرتفعة داخل مساحة محدودة.

جذور الصراع:
المخيم ارتبط دوماً بالاضطرابات. أثناء الحرب الأهلية اللبنانية بين 1975 و1990، شهد معارك عنيفة بين فصائل فلسطينية وميليشيات محلية، مما أدى إلى حصار طويل ومجاعة حقيقية للسكان. بعد انتهاء الحرب، استمر المخيم ساحة لتصفية حسابات داخلية بين مجموعات مختلفة، مع احتفاظ بعض الفصائل بسلطة الأمر الواقع في إدارة الأمن. هذا التوزع المعقد للسلاح والسلطة جعل أي خلاف محتمل سريع التحول إلى مواجهات دامية، خصوصاً مع الفئات الشابة التي تحمل السلاح.

أحداث الثالث من سبتمبر 2025:
في هذا اليوم، تجددت الاشتباكات المسلحة داخل المخيم باستخدام قذائف آر.بي.جي وأسلحة رشاشة، ما أحدث أضراراً في المباني وأوقع إصابات بين المدنيين. التحقيقات الميدانية تشير إلى أن الاشتباك ناتج عن صراع بين مجموعتين مسلحتين مرتبطتين بفصائل سياسية مختلفة، مع توسع دائرة الاشتباكات نتيجة تراكم توترات سابقة.

الأوضاع الإنسانية:
السكان يعيشون في مناطق مكتظة جداً، حيث لا تتجاوز المساحة المأهولة الكيلومتر المربع الواحد. الإحصاءات الرسمية توضح أن أكثر من 65% من السكان تحت خط الفقر، ونسبة البطالة تصل إلى حوالي 45%. البنية التحتية تعاني من عجز شديد، مع مشاكل في الصرف الصحي ونقص مستمر في الكهرباء، إضافة إلى مياه شحيحة وغير آمنة في بعض الأحياء. حالات الأمراض المزمنة والتنفسية في ارتفاع بسبب الرطوبة والاكتظاظ، مما يزيد من هشاشة الوضع الصحي.

الأمن الذاتي ومعضلة الدولة:
غياب سيطرة الدولة على المخيم أدى إلى اعتماد “الأمن الذاتي”، حيث تدير لجان محلية وفصائلية جوانب الأمن اليومية. هذا النظام أثبت عجزه المتكرر أمام النزاعات، مع وجود أكثر من 15 مجموعة مسلحة صغيرة، إلى جانب فصائل لها امتداد إقليمي، ما يجعل السيطرة على الوضع صعبة للغاية.

الأبعاد الإقليمية:
اشتباكات المخيم لا يمكن فحصها بمعزل عن السياق الجغرافي والسياسي. المنطقة الجنوبية تواجه تصعيداً مع إسرائيل، مما يجعل أي عنف داخلي في المخيم يكتسب أبعاداً أكبر، باعتباره رسالة أو أداة ضغط إقليمية، التحليلات تشير إلى أن استمرار التصعيد قد يؤدي إلى استخدام المخيم كمسرح لصراعات خارجية، مع إمكانية امتداد العنف إلى مناطق أخرى في الضاحية الجنوبية ومخيمات مثل عين الحلوة وشاتيلا.

برج البراجنة يمثل نموذجاً معقداً للأزمات المستمرة في المخيمات الفلسطينية: اكتظاظ سكاني، فقر واسع، بنية تحتية مهترئة، وسلاح متفلت خارج إطار الدولة. أحداث الثالث من سبتمبر 2025 أعادت تسليط الضوء على هشاشة الوضع، مع تذكير بأن أي خلاف داخلي قد يتحول بسرعة إلى أزمة أكبر، مع انعكاسات محلية وإقليمية. المخيم لا يعكس مجرد نزاع محدود، بل هو صورة متجددة للصراع المستمر في قلب العاصمة اللبنانية، بين الماضي المليء بالعنف والحاضر المهدد بالتصعيد المستمر.

السيناريوهات القادمة:
إذا استمرت الاشتباكات، فإن المخيم معرض لموجة نزوح جديدة داخلياً، مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والصحية. التهدئة تعتمد على وساطات فلسطينية-لبنانية عاجلة لإعادة ضبط الأمن الداخلي، لكن دون إجراءات جذرية لنزع السلاح، ستظل المخاطر عالية. السيناريو الأكثر خطورة يتضمن توسع دائرة العنف لتشمل مخيمات أخرى، مما قد يؤدي إلى مواجهات مفتوحة تهدد الاستقرار في بيروت والمناطق المحيطة. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 1