تشكل الحكومة اللبنانية الحالية نموذجاً معقداً للتوازن السياسي، خصوصاً داخل الطائفة الشيعية، التي يمثلها خمسة وزراء بمختلف الانتماءات والحسابات. هؤلاء الوزراء ينقسمون بين «حركة أمل» و«حزب الله»، مع وجود وزير خامس مستقل يمثل حلاً وسطاً بين رئيس الحكومة نواف سلام ورئيس البرلمان نبيه بري، ما يجعل قراءة المواقف السياسية أكثر دقة وحساسية.
جلسة الحكومة في الخامس من أغسطس الماضي، والتي أقرت حصر السلاح بيد الدولة، شكلت نقطة فارقة في توضيح مواقف هؤلاء الوزراء. فبين انسحاب، اعتراض، أو تموضع وسطي، كشفت التصرفات عن خطوط الولاء المختلفة والاستراتيجيات المتباينة لكل وزير.
ياسين جابر، وزير المالية المقرّب من بري، اعتمد نهج الاعتدال والتموضع المتوازن. غيابه عن الجلسة تم تفسيره سياسياً كتجنب للإحراج، لكنه في الوقت نفسه أكد لاحقاً التمسك بالمبدأ الوطني لحصرية السلاح بيد الدولة، مع ترك المجال مفتوحاً للتفاهم مع الثنائي. يمثل جابر الوجه الوسطي لـ«حركة أمل»، قادر على الجمع بين المطالب الإصلاحية ومتطلبات الطائفة.
فادي مكي، الوزير المستقل الخامس، جاء كحل وسط بين الأطراف، معتمدًا على خبرته الأكاديمية والمهنية في الاقتصاد السلوكي والإدارة العامة. موقفه خلال الجلسة كان رمزيًا، إذ لم ينسحب فوراً، بل حاول مناقشة الأهداف دون اتخاذ قرار نهائي. انسحابه في نهاية المطاف بقي محدوداً، مع التزامه بحضور الاجتماعات المستقبلية، ما يعكس دوره كجسر توازن بين الحكومة والثنائي الشيعي.
محمد حيدر، وزير العمل، عبّر بوضوح عن الولاء الكامل لـ«حزب الله»، مؤكداً رفض البحث في موضوع السلاح قبل ضمان وقف العدوان الإسرائيلي. تصريحه بأن هذا السلاح يشكل الضمانة الوحيدة لحماية الطائفة يعكس المنطق الدفاعي والسياسي للحزب ضمن الحكومة، وقدرته على التعبير عن موقفه بشكل مباشر دون مواربة.
تمارا الزين، وزيرة البيئة، اعتمدت نهجاً علمياً ومؤسساتياً، مع الانسجام مع موقف الثنائي، مؤكدة أن انسحابها من الجلسة سجل رسمياً في المحضر ويعكس ضرورة الوصول إلى توافق أوسع قبل اتخاذ أي قرار. موقفها يجمع بين البعد الأكاديمي والالتزام بالمعايير المؤسساتية، ما يضفي طابع الحيادية على قرارها رغم التماهي مع خط الطائفة.
ركان ناصر الدين، وزير الصحة، الذي يصنّف ضمن محاسيب حزب الله، شارك في النقاش بدايةً قبل أن ينسحب مع زملائه، مشيراً إلى أن القرار اتخذ دون توافق مسبق. أسلوبه يعكس استراتيجية الحزب القائمة على الانفتاح التكتيكي أولاً، ثم الانسحاب المنسّق لمنع أي قرار أحادي، مع الحفاظ على حضور رمزي داخل الحكومة.
التحليل العام للمواقف يوضح أن التمايز داخل الطائفة الشيعية يظهر في ثلاثة أبعاد رئيسية: الالتزام بالمبادئ الوطنية، الولاء الحزبي الصريح، والسعي لوساطة متوازنة. كل وزير اختار أسلوبه وفق خلفيته السياسية، الأكاديمية، أو المهنية، ما يعكس طبيعة التوازن الداخلي بين الطائفة والدولة. رغم هذه التباينات، تبقى الحكومة قادرة على إدارة ملفات حساسة من خلال توافق جزئي بين الأطراف، مع إدراك أن أي قرار أحادي قد يثير توتراً داخل المجلس.