كيف شكلت حماس نموذجًا للمقاومة المنظمة؟

أماني إبراهيم/ وكالة أنباء آسيا

2025.09.04 - 03:07
Facebook Share
طباعة

في مواجهة أعنف حملات العدوان الإسرائيلي على غزة، برزت حركة حماس كنموذج فريد للمقاومة المنظمة، تجمع بين الإرادة الشعبية الصلبة، التخطيط العسكري الدقيق، والقدرة على المناورة السياسية والدبلوماسية. رغم الحصار الخانق والضغوط العسكرية الهائلة، أثبتت الحركة أنها ليست مجرد قوة مسلحة، بل كيان متكامل قادر على إدارة الصراع، حماية المدنيين، وفرض التوازن على الاحتلال الإسرائيلي.

يطرح هذا التقرير سؤالًا جوهريًا: كيف تمكنت حماس من تحويل مواجهة مستمرة منذ سنوات إلى نموذج استراتيجي للمقاومة الفلسطينية؟ من خلال استعراض القيادة العسكرية، التخطيط العملياتي، الصمود المدني، والضغط الدولي، سنتتبع مسار الحركة في تثبيت موقعها كرمز للمقاومة المنظمة، ومواجهة العدوان الإسرائيلي على جميع الأصعدة.

 

في مايو 2025، تولى عز الدين الحداد قيادة حركة حماس بعد استشهاد القائد البارز يحيى السنوار في غارة إسرائيلية دقيقة استهدفت قلب القيادة العسكرية للحركة في غزة. ويعرف الحداد بلقب "شبح القسام" نظرًا لقدراته الاستثنائية في التخفي والتحرك داخل بيئة معادية، وقدرته على التخطيط للعمليات العسكرية وتنفيذها بدقة متناهية، مع مراعاة الحد الأدنى من الخسائر المدنية قدر الإمكان.

يُعتبر تولي الحداد القيادة مؤشرًا على استمرارية الخط العسكري والاستراتيجي لحماس، حيث أثبتت الحركة أن فقدان أي قائد، مهما كان دوره مؤثرًا، لا يعطل مسار المقاومة أو يضعف من صمودها. تحت قيادته، اتسمت الإدارة العسكرية لحماس بـ:

التخطيط المتقدم للعمليات الدفاعية والهجومية، مع التركيز على توزيع الوحدات بشكل يضمن حماية المدنيين والمواقع الحيوية في الوقت نفسه.

إدارة شبكات الأنفاق والمخابئ السرية التي شكلت عنصرًا حاسمًا في حماية القيادات العسكرية والموارد اللوجستية.

توجيه العمليات الصاروخية الدقيقة ضد أهداف إسرائيلية استراتيجية، بما يعكس خبرة الحركة في مواجهة التفوق العددي والتكنولوجي للجيش الإسرائيلي.

التنسيق المستمر بين القيادة العسكرية والسياسية للحفاظ على وحدة الصف الداخلي، وتطوير استراتيجيات مرنة للتعامل مع التطورات المفاجئة على الأرض.

كما يُعرف الحداد بقدرته على التكيف السريع مع الظروف الميدانية المتغيرة، وإعادة ترتيب الأولويات العملياتية في مواجهة الهجمات الإسرائيلية المركزة. هذا النهج جعل حماس كيانًا عسكريًا متكاملًا قادرًا على الصمود والاستمرار في إدارة المواجهة على المدى الطويل، مع الحفاظ على ثباتها كرمز للمقاومة المنظمة في مواجهة الاحتلال.

 

أعلنت تل أبيب عن خطة هجومية شاملة تحت اسم "مركبات جدعون"، والتي تمثل محاولة لإعادة تشكيل الخريطة العسكرية في قطاع غزة والسيطرة على مواقعه الحيوية. تتضمن الخطة عدة محاور استراتيجية متزامنة، أبرزها:

الهجمات الجوية المركزة والدقيقة: استهدفت المراكز العسكرية لحماس، بما يشمل مراكز القيادة والسيطرة، مواقع تخزين الأسلحة والذخائر، والأنفاق المستخدمة للتنقل السريع بين المناطق. وقد اعتمدت إسرائيل على طائرات متقدمة تقنيًا، ونظم استخبارات دقيقة لتحديد أهدافها، مع محاولة استهداف القادة العسكريين البارزين لإضعاف هيكل القيادة.

العمليات البرية الواسعة: شملت دخول قوات مشاة ومدرعات إسرائيلية لمناطق حساسة داخل غزة، بهدف فرض السيطرة على الشوارع الرئيسية والمرافق الاستراتيجية، وقطع خطوط الإمداد للحركة. وكانت هذه العمليات مصممة لإحداث اختراقات سريعة تمهيدًا لإجبار المقاومة على الانكفاء أو الاستسلام.

الحصار الشامل للقطاع: هدفت إسرائيل من خلال الحصار إلى تجفيف الموارد اللوجستية والإنسانية، وإضعاف القدرة على الحركة العسكرية والاقتصادية للمقاومة، بما في ذلك الحد من وصول الغذاء والدواء والوقود، ما يضاعف الضغط على السكان المدنيين ويخلق حالة من الإرباك والاستنزاف للمقاومة.

 

رغم التفوق الإسرائيلي النوعي والعددي، أثبتت حركة حماس قدرتها على التكيف والمناورة، محافظةً على قوتها العسكرية وكفاءة عملياتها. وقد تجسد ذلك في عدة مستويات:

تنظيم وحداتها الدفاعية داخل المدن المكتظة بالسكان: حيث قامت حماس بتوزيع القوات على مواقع استراتيجية تتيح حماية المدنيين مع الاحتفاظ بالقدرة على الرد الفوري على الهجمات.

تنفيذ ضربات مضادة دقيقة: استهدفت الحركة مواقع عسكرية إسرائيلية محددة، مثل مواقع المدفعية والمراقبة، ومراكز التجمع للجنود، مع توجيه صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى بدقة عالية لتعويض الفارق العددي والتكنولوجي.

الحفاظ على الخطوط الخلفية: عبر شبكة الأنفاق والمخابئ السرية، التي مكنت القيادات العسكرية والموارد اللوجستية من البقاء بعيدًا عن الاستهداف المباشر، وتسهيل تحرك الوحدات بسرعة ومرونة داخل غزة.

تعزيز القدرات الصاروخية: قامت حماس بزيادة عدد الصواريخ المحملة على منصاتها، وتطوير دقة الضربات لتصل إلى مواقع استراتيجية داخل إسرائيل، مؤثرة في العمليات العسكرية للاحتلال وفرض حالة من التوازن التكتيكي على الأرض.

هذه الإجراءات المتكاملة تؤكد أن حماس ليست مجرد قوة دفاعية محلية، بل كيان عسكري متكامل ومرن قادر على الصمود والمناورة، ويحول أي حملة عدوانية إسرائيلية إلى فرصة لإظهار خبرة الحركة في إدارة الصراع العسكري والسيطرة على ديناميكيات المواجهة.

 


في مواجهة العدوان المستمر، تستخدم حماس القوة السياسية والدبلوماسية كأداة ضغط فعالة على إسرائيل والمجتمع الدولي:

الضغط الدولي: تعتمد الحركة على الوساطات الدولية للتفاوض على وقف العدوان، مع التأكيد على استعدادها لإبرام صفقة تبادل الأسرى مقابل انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، بما يحفظ حقوق المدنيين ويحد من الخسائر البشرية.

الحلول الدبلوماسية: تعرض حماس مبادرات سياسية ودبلوماسية، تشمل التزامها بحماية المدنيين، ووقف أي عمليات تؤدي إلى زيادة الضرر للمدنيين، بهدف كسب دعم عربي ودولي للضغط على إسرائيل، وكشف الممارسات الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي.

هذا الاستخدام المتوازن بين القوة العسكرية والضغط السياسي والدبلوماسي يبرز حماس كنموذج استراتيجي للمقاومة المنظمة، يجمع بين الصمود الميداني والحكمة السياسية في مواجهة الاحتلال.

إسرائيل تتبنى منذ بداية العدوان على غزة استراتيجية صلبة ترتكز على الحل العسكري وحده، دون أي استعداد حقيقي للتفاوض مع حركة حماس، في محاولة لإجبارها على الاستسلام الكامل. هذه السياسة تعكس تصميم تل أبيب على تحقيق أهدافها الاستراتيجية، بما يشمل السيطرة على كامل القطاع وتفكيك البنية العسكرية لحماس، بغض النظر عن الخسائر البشرية أو الأضرار المادية التي تلحق بالمدنيين.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصف المرحلة الحالية بأنها "حاسمة"، مؤكدًا أن العمليات العسكرية ستستمر حتى تحقيق أهداف الاحتلال، في إشارة واضحة إلى عدم وجود أي نية لإبرام هدنة أو صفقة سياسية قبل تحقق هذه الأهداف. هذا الموقف يعكس تركيز إسرائيل على القوة التدميرية كأداة وحيدة لفرض إرادتها، مع تجاهل صارخ للمعايير الدولية وحقوق الإنسان.

إسرائيل اعتمدت على مجموعة من الأدوات لتطبيق هذه السياسة، منها:

الضربات الجوية المركزة على مراكز حيوية للمقاومة بما فيها مواقع القيادات ومخازن الأسلحة.

العمليات البرية الواسعة للسيطرة على الشوارع والمناطق الاستراتيجية، وقطع خطوط الإمداد للحركة.

الحصار الشامل للقطاع لزيادة الضغط على المدنيين وإضعاف قدرة المقاومة على البقاء والاستمرار.

كما يسعى الجيش الإسرائيلي من خلال هذه العمليات إلى إحداث حالة من الرعب والتخويف بين السكان المدنيين، بهدف خلق ضغوط شعبية على قيادة حماس للتخلي عن المقاومة. إلا أن هذا النهج العسكري، رغم قوته النسبية، لم ينجح في كسر إرادة الحركة أو الشعب الفلسطيني، بل زاد من تصميم حماس على الصمود والمقاومة، وأكد للعالم أن أي محاولة لتصفية المقاومة بالقوة وحدها ستواجه تحديًا مستمرًا على الأرض.

 

صمود حماس كنموذج للمقاومة المنظمة

صمود حركة حماس في مواجهة العدوان الإسرائيلي يمثل نموذجًا متكاملًا للمقاومة المنظمة، يجمع بين عدة أبعاد أساسية، تعكس القدرة على التكيف والاستمرار في ظل الظروف الأكثر قسوة:

البعد العسكري

على الرغم من التفوق العددي والتكنولوجي للجيش الإسرائيلي، تمكنت حماس من تنظيم ردود دقيقة واستراتيجية. يشمل ذلك:

تنفيذ عمليات مضادة دقيقة ضد أهداف عسكرية إسرائيلية استراتيجية.

استخدام شبكات الأنفاق والمخابئ السرية لإعادة توزيع القوات والحفاظ على جاهزية وحداتها.

تعزيز القدرات الصاروخية لضرب مواقع عسكرية حساسة داخل إسرائيل، بما يفرض نوعًا من التوازن التكتيكي ويزيد من الضغط على الاحتلال.

هذه المرونة العسكرية تؤكد أن حماس ليست مجرد قوة دفاعية محلية، بل كيان قادر على إدارة العمليات بشكل متقن، وحماية قياداته وقواعده، مع استمرار المقاومة في كل الظروف.

البعد السياسي والدبلوماسي

إلى جانب القوة العسكرية، تستخدم حماس الاستراتيجية الدبلوماسية كأداة للضغط على الاحتلال والمجتمع الدولي، وذلك من خلال:

التفاوض على وقف العدوان واستغلال الوساطات الدولية لكسب دعم سياسي.

عرض حلول تشمل تبادل الأسرى مقابل انسحاب القوات الإسرائيلية، مع الحفاظ على الحقوق الأساسية للفلسطينيين.

تسليط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي لتعزيز موقفها وفرض ضغط على تل أبيب.

هذا التوازن بين القوة العسكرية والمناورة السياسية يعكس حكمة الحركة في إدارة الصراع، ويثبت أن المقاومة ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل استراتيجية متكاملة لتحقيق أهداف سياسية وإنسانية.

البعد الإنساني

على الرغم من الحصار والهجمات المكثفة، تواصل حماس جهودها لحماية المدنيين وتقديم الخدمات الأساسية، بما في ذلك:

نقل السكان إلى مناطق آمنة وملاجئ مؤقتة.

توفير الرعاية الصحية الأساسية والمساعدات الإنسانية بالتنسيق مع المنظمات المحلية والدولية.

تخفيف آثار الحصار والقصف على الحياة اليومية للسكان، مع مراعاة الحد الأدنى من الخسائر البشرية.

هذا البعد الإنساني يعكس التزام حماس بالمسؤولية تجاه شعبها، ويبرز قدرتها على الجمع بين المقاومة المسلحة وحماية المدنيين، وهو عنصر أساسي في نموذج المقاومة المنظمة الذي تقدمه الحركة.

 

هذا الصمود العسكري والسياسي والإنساني معًا يعكس إرادة الشعب الفلسطيني الصلبة واستعداده لمواجهة محاولات تصفية القضية الفلسطينية أو تهميش حقوقه الأساسية. ويظهر أن حماس، بقيادتها المنظمة، ليست مجرد قوة عسكرية، بل كيان متكامل قادر على الصمود والمناورة في جميع المستويات، محافظًا على استمرارية المقاومة وحماية الشعب الفلسطيني في أصعب الظروف.

تثبت حركة حماس بوضوح أن التوازن العسكري وحده لا يحسم الصراع مع إسرائيل، وأن القوة الحقيقية تأتي من تكامل العناصر العسكرية، الشعبية، والسياسية معًا. فالمقاومة ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل إستراتيجية شاملة تعتمد على إرادة شعبية، تخطيط متقدم، ومناورة دبلوماسية ذكية.

الإرادة الشعبية الصلبة

الإرادة الشعبية في غزة تمثل قلب المقاومة، فهي القوة الخفية التي تدعم كل عمليات حماس العسكرية والسياسية. المواطنون الفلسطينيون في القطاع يشاركون في حماية مناطقهم، دعم المقاومة، والمساهمة في الحفاظ على الخدمات الأساسية، رغم القصف المستمر والحصار الخانق. هذا الدعم الشعبي يعزز قدرة الحركة على الصمود، ويجعل أي محاولة لإضعافها بالقوة وحدها أمرًا مستحيلًا، إذ أن المقاومة الحقيقية تبدأ من الشعب وتترسخ بالالتزام الجماعي تجاه القضية الفلسطينية.

القدرة على إدارة العمليات العسكرية المتقدمة

حماس أثبتت قدرتها على تنظيم العمليات العسكرية بشكل متكامل ودقيق، يشمل:

التخطيط المسبق للهجمات والدفاعات المضادة.

إدارة وحداتها في المدن المكتظة بالسكان مع الحفاظ على أعلى درجات الفعالية العسكرية.

الاستخدام الذكي لشبكات الأنفاق والمخابئ السرية لتسهيل الحركة وحماية القيادات والموارد.

تطوير القدرات الصاروخية لضرب أهداف استراتيجية داخل إسرائيل، ما يفرض توازنًا تكتيكيًا ويزيد من الضغط على الجيش الإسرائيلي.

هذا الأسلوب يعكس خبرة عسكرية متراكمة واستراتيجية مرنة قادرة على التكيف مع أي تغير في طبيعة المواجهة، ما يجعل حماس نموذجًا فريدًا للمقاومة المنظمة على مستوى العالم.

الاستخدام الذكي للضغط الدبلوماسي والسياسي الدولي

إلى جانب القوة العسكرية، تلعب الوسائل الدبلوماسية والسياسية دورًا أساسيًا في صمود الحركة. حماس تستفيد من الوساطات الدولية، العلاقات الإقليمية، والضغط السياسي لتأمين مصالحها وحقوق المدنيين، وضمان تعزيز موقفها أمام إسرائيل والمجتمع الدولي. هذا التوازن بين القوة الميدانية والضغط الدبلوماسي يجعلها قادرة على:

حماية المدنيين وتخفيف آثار العدوان.

فرض شروطها في التفاوض بشأن الأسرى والصفقات الإنسانية.

إبراز الانتهاكات الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي وزيادة الضغط السياسي على الاحتلال.

رسالة صمود غزة للعالم

مع استمرار العدوان الإسرائيلي، يمثل صمود حماس وشعب غزة رسالة واضحة للعالم: أن الحقوق الفلسطينية لن تُهضم، وأن المقاومة المنظمة تبقى خيارًا استراتيجيًا لضمان الكرامة والسيادة الفلسطينية. المجتمع الدولي مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتحرك لإيقاف التصعيد وحماية المدنيين، لكن الحقائق الميدانية تظهر أن حماس هي الضامن الحقيقي لاستمرار المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني أمام آلة الاحتلال العسكرية.

هذا النموذج يعكس درسًا أساسيًا للعالم: القوة الحقيقية لا تقتصر على التفوق العسكري فقط، بل على قدرة الشعب والقيادة على الصمود، والإرادة على المضي قدمًا رغم التحديات الكبرى. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 8