بين الأهداف العسكرية والأزمة السياسية.. هل تتحول "عربات جدعون" إلى فخ استراتيجي لإسرائيل؟

2025.09.04 - 11:33
Facebook Share
طباعة

أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير رسميًا انطلاق المرحلة الثانية من عملية "عربات جدعون"، مؤكدًا أن الجيش الإسرائيلي دخل مرحلة "تعميق المناورة". الجولة الميدانية التي أجراها زامير في قطاع غزة شملت مواقع داخل مدينة غزة نفسها، ما يعكس إصرار المؤسسة العسكرية على توسيع رقعة العمليات الميدانية. وفي تصريحاته العلنية، شدد زامير على أن الجيش سيواصل ضرب "مراكز ثقل حماس"، معتبراً أن استعادة الأسرى هي "مهمة أخلاقية ووطنية"، الأمر الذي يضع البعد الإنساني في خطاب القيادة العسكرية في مقابل واقع الحرب الدامي على الأرض.

 


بالتوازي مع هذه المرحلة، أعلنت القيادة العسكرية عن حشد واسع النطاق لقوات الاحتياط، وهو ما يشير إلى أن الجيش الإسرائيلي يهيئ نفسه لمعركة طويلة المدى. تقديرات صحفية عبرية أشارت إلى أن الجيش يستعد لاستدعاء نحو 60 ألف جندي احتياط، وهو رقم يعكس حجم التوسع المتوقع في العمليات البرية. هذا الحشد الكبير يهدف، وفق زامير، إلى تكثيف الضغط العسكري وخلق قدرة على إدارة حرب استنزاف داخل قطاع غزة، خاصة مع التوقعات بأن العملية قد تستمر لأشهر وربما لعام كامل.

 

 

على الجانب الآخر، تتسع داخل إسرائيل دائرة الرفض الشعبي والعسكري لقرار احتلال مدينة غزة. فقد أعلن عدد من جنود الاحتياط، في مؤتمر صحفي، أنهم لن يستجيبوا لأي أمر يقضي بالمشاركة في عملية احتلال شامل. هؤلاء الجنود وصفوا القرار بأنه "غير قانوني" واعتبروه يفتقر إلى أي منطق أمني أو سياسي أو حتى إنساني. كما أكدوا أن الهدف الحقيقي من العملية هو بقاء الحكومة الحالية في السلطة، حتى ولو كان الثمن المزيد من الدماء والخسائر. هذه المواقف غير المسبوقة تعكس تصاعد الشرخ بين الحكومة والمؤسسة العسكرية من جهة، وبين القيادة السياسية والجنود من جهة أخرى.

 

التقديرات العسكرية الإسرائيلية نفسها لا تخفي التكلفة الباهظة لأي عملية احتلال لمدينة غزة. فبحسب القناة 13 العبرية، يتوقع أن تؤدي العملية إلى مقتل ما لا يقل عن 100 جندي إسرائيلي، إلى جانب مئات وربما آلاف الجرحى. هذه الأرقام تعكس المخاطر التي يخشاها الجنود الرافضون للقرار، إذ يرون أن الحكومة تقامر بحياتهم في حرب مفتوحة بلا ضمانات للنجاح. ومع الأخذ في الاعتبار أن إسرائيل تواجه منذ شهور أزمة في الروح المعنوية لجيشها، فإن أي ارتفاع ملحوظ في الخسائر قد يفاقم الانقسامات الداخلية.

 


عملية "عربات جدعون" ليست مجرد عملية عسكرية تقليدية، بل هي امتداد لخطة عسكرية إسرائيلية قديمة وضعتها هيئة الأركان عام 2015 لتجهيز الجيش لحروب متعددة الجبهات. في نسختها الحالية، تبدو العملية وكأنها تجسيد عملي لهذه العقيدة، عبر استخدام احتياط ضخم، وتوسيع نطاق العمليات البرية، مع التركيز على استنزاف الخصم في معارك طويلة الأمد. لكن الفارق الجوهري أن هذه العملية تجري وسط حالة داخلية إسرائيلية مرتبكة، وأزمة سياسية تضعف قدرة القيادة على إدارة حرب بهذا الحجم.

 


معركة بلا أفق واضح

في ظل هذه المعطيات، يظل السؤال المركزي: إلى أين تتجه عملية "عربات جدعون"؟ القيادة العسكرية تتحدث عن "أهداف نهائية" مثل هزيمة حماس وإعادة الأسرى، لكن الواقع الميداني والسياسي يشير إلى أن هذه الأهداف قد تكون بعيدة المنال. فبين رفض الجنود، وغياب إجماع سياسي، وتصاعد التكلفة البشرية، قد تجد إسرائيل نفسها في مأزق استراتيجي أشد خطورة من أي وقت مضى. وهكذا، لا تبدو المرحلة الثانية من العملية خطوة نحو الحسم، بقدر ما هي بداية انزلاق نحو حرب مفتوحة بلا أفق، مرهونة بنتائج غير محسوبة.

 

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 5