أعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى الواجهة، خطة ضم مساحات واسعة من الضفة الغربية المحتلة، في خطوة وُصفت بأنها تشويش متعمد على المساعي الدولية المتزايدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، خصوصاً مع اقتراب انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر. وجاءت هذه الخطوة عبر تصريحات وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي دعا علناً لضم 82% من أراضي الضفة، في موقف أثار موجة استنكار فلسطيني وعربي ودولي.
خطة الضم بين الحسابات السياسية والأهداف الاستيطانية
سموتريتش أعاد التأكيد على مبدأ صهيوني قديم يتمثل في الحصول على أكبر مساحة من الأرض بأقل عدد ممكن من السكان الفلسطينيين. هذه الرؤية تكشف أن الضم ليس مجرد شعار سياسي، بل مشروع استيطاني شامل يسعى لتغيير الخريطة الديموغرافية والجغرافية للضفة الغربية.
ويرى مراقبون أن نتنياهو يستخدم هذا الملف في توقيت حساس، مستهدفاً صرف الأنظار عن الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، وكذلك لتعزيز تماسك ائتلافه اليميني المتطرف الذي يعيش على وقع خلافات داخلية وضغوط متزايدة من المعارضة الإسرائيلية.
تهديد وجودي للدولة الفلسطينية
الخارجية الفلسطينية اعتبرت تصريحات سموتريتش وعودة نتنياهو إلى خطاب الضم تهديداً مباشراً لفرص إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967. كما شددت القيادة الفلسطينية على أن هذه التصريحات ليست مجرد دعاية انتخابية أو مناورة سياسية، بل تمثل سياسة استعمارية ممنهجة تواصل إسرائيل فرضها على الأرض عبر تكثيف الاستيطان، ومصادرة الأراضي، وتهجير السكان الفلسطينيين، بما يتناقض مع قرارات الشرعية الدولية.
إدانة وتحذير
مجلس التعاون الخليجي دخل على خط الأزمة بإصدار بيان شديد اللهجة على لسان أمينه العام جاسم البديوي، الذي أدان دعوات الضم والاستيطان، واصفاً إياها بأنها "خطيرة ومشبوهة". ودعا المجلس المجتمع الدولي إلى تحرك عاجل ورادع لوقف الانتهاكات الإسرائيلية، مؤكداً أن مثل هذه الممارسات تُعرقل جهود إحياء عملية السلام وتقوّض أي أفق لحل الدولتين.
هذا الموقف يعكس تصاعد القلق الخليجي من اندفاع الحكومة الإسرائيلية نحو سياسات أحادية الجانب قد تفجّر الأوضاع في الأراضي المحتلة وتزيد من حدة التوتر الإقليمي.
الأمم المتحدة على المحك
تأتي هذه التطورات في لحظة حساسة، إذ تستعد الأمم المتحدة لعقد اجتماعاتها السنوية حيث يُنتظر أن يكتسب ملف الاعتراف بالدولة الفلسطينية زخماً جديداً. ويرى محللون أن نتنياهو يسعى عبر ورقة الضم إلى فرض أجندة موازية تمنع أي توافق دولي على خطوات عملية لصالح الفلسطينيين.
لكن في المقابل، فإن تصعيد الخطاب الإسرائيلي قد يدفع قوى كبرى، مثل الاتحاد الأوروبي وعدد من دول الجنوب العالمي، إلى تبني موقف أكثر وضوحاً في دعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
استدعاء نتنياهو لخطة "ضم الضفة" في هذا التوقيت ليس صدفة؛ بل هو جزء من استراتيجية مدروسة للتشويش على الاعترافات الدولية بفلسطين، وضمان استمرار الاحتلال بأدوات سياسية وقانونية جديدة. غير أن ردود الفعل الفلسطينية والعربية والدولية توحي بأن إسرائيل قد تواجه عزلة أكبر إذا استمرت في تجاهل القرارات الأممية.
فاللحظة الراهنة تضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي: إما الضغط الجدي لوقف الاستيطان والضم، أو ترك الأوضاع تنزلق نحو مزيد من التصعيد والصدام، بما يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها.