صفعة جديدة للقيادة الفلسطينية من واشنطن

2025.09.04 - 09:25
Facebook Share
طباعة

 قررت الولايات المتحدة منع الرئيس الفلسطيني وفريقه من دخول نيويورك، في خطوة أثارت استياء واسع واعتُبرت صفعة للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني. القرار الأميركي استند إلى أسباب رسمية، منها اتهام القيادة الفلسطينية بالتحريض على الإرهاب، وعدم إدانة بعض العمليات المسلحة، ونشر ما وصفته واشنطن بثقافة الكراهية، والسعي للاعتراف بدولة فلسطينية من جانب واحد.


ولم يقتصر الحظر على عدم منح تأشيرات الدخول، بل شمل إلغاء بعض التأشيرات القائمة، مع تطبيق القرار على نطاق واسع شمل معظم أعضاء الفريق الفلسطيني، مع استثناءات محدودة للغاية. وقد اعتُبر هذا الإجراء إهانة دبلوماسية للسلطة الفلسطينية، وانتهاكًا للأعراف الدولية المتعارف عليها، بما فيها اتفاقية المقر التي تنظم حضور ممثلي الدول في نيويورك.


جاء القرار في سياق تصاعد الأوضاع في غزة، وسط عمليات الإبادة والقصف المستمر، واستمرار سياسة التوسع الاستيطاني والتهويد في الضفة الغربية، بمباركة أميركية كاملة. ويعكس القرار شراكة واضحة بين واشنطن وتل أبيب في دعم السياسات الإسرائيلية العدوانية، والتي تشمل عمليات تهجير واسعة، وضغطًا متواصلًا على الفلسطينيين لتقديم تنازلات استراتيجية.


تزامن القرار مع اجتماعات عدة جمعت كبار المسؤولين الأميركيين مع قيادات إسرائيلية، تم خلالها بحث مستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنشاء مناطق تحت إدارة محلية إسرائيلية، وخرائط الضم المرتقبة. وتكشف هذه الاجتماعات عن تنسيق استراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل في رسم مستقبل الأراضي الفلسطينية، بعيدًا عن أي دور فعلي للسلطة الفلسطينية في اتخاذ القرار السياسي.


القرار الأميركي يحمل أيضًا بعدًا رمزيًا مهمًا، فهو يفرض على السلطة الفلسطينية التراجع عن أي دور محتمل في مواجهة الاحتلال أو متابعة الانتهاكات الإسرائيلية قضائيًا أمام المحاكم الدولية. كما يضعها تحت ضغط مستمر للحد من أي نشاط دبلوماسي يسعى للاعتراف الدولي بدولة فلسطينية، مما يقيد قدرتها على ممارسة أي نفوذ سياسي حقيقي.


تأتي هذه الخطوة في سياق محاولات واشنطن وإسرائيل تقييد قدرة السلطة الفلسطينية على إدارة أي شكل من أشكال المقاومة، وتجريدها من أي ورقة ضغط دبلوماسية، وفرضها كحاجز أمام محاولات الاعتراف الدولي بفلسطين.


وعلى المستوى الداخلي الفلسطيني، يضع القرار السلطة في مأزق عميق، حيث إن قيادتها أصبحت مكشوفة أمام الضغوط الأميركية والإسرائيلية، وتواجه تحديًا في الموازنة بين استعادة دورها في قيادة العملية السياسية، وبين الحفاظ على الحد الأدنى من الشرعية الوطنية أمام شعبها.


الخيارات المتاحة للسلطة محدودة. يمكن محاولة استعادة التأييد العربي والدولي لثني الولايات المتحدة عن قرارها، وربما إعادة سيناريو مشابه لعام 1988، عندما تمكن ياسر عرفات من نقل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة من نيويورك إلى جنيف، لتجاوز قيود التأشيرات الأميركية.


لكن هذه الخيارات لن تغير الجوهر: السلطة الفلسطينية أصبحت في وضع هش، وقدرتها على الدفاع عن مصالح شعبها محدودة، في حين تستمر واشنطن وإسرائيل في رسم سياسات تحدد مصير الأراضي الفلسطينية وشعبها دون أي مشاركة فعلية لها.


في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأكبر: كيف يمكن للقيادة الفلسطينية أن تحافظ على الحد الأدنى من الفعل السياسي، وأن توازن بين الضغوط الأميركية والإسرائيلية، وبين حماية حقوق الشعب الفلسطيني، وضمان الحد الأدنى من السيادة على أراضيه ومستقبله؟


القرار الأميركي ليس مجرد منع دخول نيويورك، بل هو تعبير عن الاستراتيجية الأميركية الإسرائيلية لتقويض أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة، وتحويل السلطة الفلسطينية إلى أداة رمزية بلا قدرة حقيقية على اتخاذ القرار، وسط استمرار الحصار، وعمليات الإبادة في غزة، والضغط على الضفة الغربية.


في النهاية، يفرض هذا القرار على القيادة الفلسطينية مراجعة استراتيجية كاملة، وإعادة التفكير في أدواتها السياسية والدبلوماسية، مع البحث عن بدائل واقعية تمكنها من مواجهة الضغوط الأميركية والإسرائيلية، والحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني ومستقبل قضيته العادلة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 2