كشفت مصادر إعلامية أن الولايات المتحدة بدأت مؤخرًا تعديل نهجها تجاه قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والأقليات في شمال وشرق سوريا، في محاولة لتجنب تصعيد صراع واسع بين الحكومة السورية والفصائل الكردية. وتأتي هذه الخطوة بعد جولات من الضغوط الأميركية السابقة التي طالبت الأكراد بتقديم تنازلات جوهرية، خصوصًا في ما يتعلق بمناطق سيطرتهم واستغلال الموارد الطبيعية.
وأوضحت المصادر أن واشنطن خفّفت من ضغوطها على قسد بعدما رفضت الأخيرة إقامة نظام حكم لا مركزي في مناطقها، لكنها لا تزال تصر على أن تقوم القوات الكردية بتقديم تنازلات محددة، تشمل التخلي عن بعض المناطق ذات الغالبية العربية شرق سوريا، ووقف احتكار إنتاج النفط في تلك المناطق.
ويرى مراقبون أن تعديل الموقف الأميركي جاء نتيجة تصاعد الأوضاع على الأرض، خاصة بعد محاولة الحكومة السورية تعزيز قبضتها على محافظة السويداء، والتي أسفرت عن سقوط مئات الضحايا من أبناء الطائفة الدرزية، قبل أن تتوقف العمليات العسكرية إثر تدخل إسرائيلي محدود. وتشير المصادر إلى أن واشنطن أصبحت أكثر انفتاحًا على الاستماع لمطالب الأقليات، لكنها تبقى ملتزمة بموقفها الداعم للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
وفي هذا الإطار، من المتوقع أن تقوم إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة للجنة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، بزيارة دمشق خلال الأيام المقبلة لعقد جولة جديدة من المحادثات مع الحكومة السورية بشأن مستقبل قسد في شمال وشرق البلاد. ووفقًا لمصادر دبلوماسية غربية، فإن المحادثات تهدف إلى تلبية المطالب الأميركية، لكنها لن تتضمن تنازلات كبيرة بشأن السيطرة على الأرض أو الموارد الحيوية.
ويرى محللون أن هذا التعديل في السياسة الأميركية يعكس إدراك واشنطن للتعقيدات المتزايدة على الأرض السورية، خصوصًا مع تداخل مصالح القوات الكردية والأقليات الأخرى، والمخاطر الأمنية المحتملة في حال استمرار التصعيد. ويضيف هؤلاء أن الولايات المتحدة تحاول في الوقت نفسه الحفاظ على تأثيرها في المنطقة من دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع دمشق أو الأطراف الإقليمية الفاعلة.
كما تشير التقديرات إلى أن المحادثات المقبلة بين قسد والحكومة السورية قد تركز على صياغة آليات للتعاون الأمني وإدارة الموارد، بما يخفف التوتر في مناطق النزاع ويتيح للأكراد والمجتمعات العربية الحفاظ على بعض صلاحياتهم المحلية ضمن إطار الدولة السورية. ويعتبر هذا المسار محاولة لتحقيق توازن بين المطالب الأميركية وضرورة الحفاظ على الاستقرار المحلي، دون التسبب في انفجار الأوضاع أو اندلاع صراع مسلح شامل.
ويأتي ذلك في وقت تتواصل فيه الضغوط الإقليمية والدولية على الأطراف السورية كافة لتجنب التصعيد العسكري، وتعزيز التفاهمات التي تضمن حماية المدنيين، وإدارة الموارد الطبيعية بشكل يراعي مصالح مختلف الأطراف، بما فيها الولايات المتحدة وروسيا وإيران. ويظل الوضع في شمال وشرق سوريا حساسًا، ويحتاج إلى توازن دقيق بين القوة السياسية والعسكرية لضمان عدم تأزم الأوضاع الإنسانية والأمنية.