أنهى الجيش اللبناني إعداد تقريره المتعلق بقرار حصرية السلاح بيد الدولة، وهو يتضمن تصوراً عملياً لآليات التنفيذ، إضافة إلى تشخيص العقبات التي تقف في طريق تطبيق القرار، الوثيقة العسكرية أوضحت التقدم في هذا الملف يتطلّب توافقاً سياسياً شاملاً، لأن المؤسسة لا تستطيع وحدها ترجمة القرارات بمعزل عن الغطاء الوطني.
كما أنّ التقرير لم يحدد أي مواعيد زمنية، ما يعكس إدراكاً لحساسية الظرف الداخلي وتعقيدات المرحلة.
في موازاة ذلك، يتحرّك رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون على خط الاتصالات مع مختلف القوى، محاولاً منع انزلاق الساحة إلى فوضى أو مواجهة. عون يعتبر أنّ الحفاظ على الاستقرار الداخلي هو الأولوية، خاصة في ظل التهديدات الإقليمية واحتمالات توسّع المواجهة على الحدود.
وبحسب ما أفادت به صحف محلية، يسعي خلال مشاوراته، إلى لعب دور ضامن يمنع مشاريع الفتن ويشدد على حماية مؤسسات الدولة.
لكن الواقع السياسي يبدو أكثر تعقيداً؛ فالتواصل بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام ما زال مقطوعاً، وهو ما يكرّس الانقسام بين "الثنائي الشيعي" ورئاسة الحكومة.
هذا الشرخ يضع عراقيل إضافية أمام أي محاولة لبناء أرضية مشتركة، ويجعل مهمة الجيش أصعب: قدرته على وضع الخطط قائمة، لكن تنفيذها يظل معلقاً على التفاهم السياسي.
تجربة لبنان مع الملف ليست جديدة، فقد شهدت البلاد محاولات متكررة لحصر السلاح بيد الدولة، غير أن جميعها اصطدم بانقسامات داخلية وتشابكات إقليمية حالت دون التوصل إلى حلول دائمة.
من هنا، يُنظر إلى التقرير العسكري الحالي كخطوة مؤسساتية مهمة، لكنه يظل غير كافٍ ما لم يترافق مع إرادة وطنية جامعة تتجاوز الحسابات الفئوية.
اللافت أنّ الجيش قدّم قراءة مهنية تضع النقاط على التحديات بوضوح، ما يرفع سقف المسؤولية على الطبقة السياسية التي باتت مطالبة بتوفير غطاء واضح للتنفيذ. فإمّا أن يُستثمر هذا الجهد في إعادة الاعتبار لمفهوم الدولة القادرة، أو يبقى التقرير مجرّد وثيقة إضافية تنتظر تسويات إقليمية ودولية قد تعيد رسم المشهد.
في الخلاصة، يمكن القول إن المؤسسة العسكرية أنجزت ما عليها عبر وضع تصور عملي، فيما تبقى مسؤولية الترجمة على عاتق القوى السياسية. نجاح المسار يتطلب اتفاقاً وطنياً واسعاً يوفّر شروط التنفيذ، لأن غياب التفاهم سيُبقي الملف معلّقاً ويفتح الباب أمام مزيد من الأزمات. بذلك، يتحول تقرير الجيش إلى اختبار حقيقي لمدى جدية الأطراف اللبنانية في بناء دولة مؤسسات، بعيداً عن التوازنات الضيقة والرهانات الخارجية.