دمشق في مواجهة العطش المزمن

متابعات _ وكالة أنباء آسيا

2025.09.03 - 06:25
Facebook Share
طباعة

أزمة المياه في دمشق وريفها لم تعد حادثة ظرفية يمكن تجاوزها ببعض الإجراءات التشغيلية، وانما باتت عنواناً لاختلال أوسع يضرب العلاقة بين الموارد الطبيعية والحاجات البشرية، الانخفاض الكبير في منسوب نبع الفيجة، الذي تراجع مؤخراً إلى ما دون فوهة النفق بحوالي 12.5 مترًا، كشف هشاشة المنظومة المائية التي تعتمد بشكل أساسي على الهطول المطري والثلوج الموسمية.
في الوقت ذاته، تراجعت مناسيب الآبار الجوفية بمعدل يقارب 25 مترًا عن المنسوب الستاتيكي، ما جعل العاصمة أمام واقع مائي أكثر قسوة من أي وقت مضى.

الشتاء الأخير كان الأكثر جفافاً منذ أكثر من ستة عقود، إذ لم تتلق المنطقة سوى 25% من متوسط الهطول السنوي، وفق تقديرات مدير محطة نبع عين الفيجة، غياب الفيضانات الموسمية التي كانت تبدأ عادة في فبراير فاقم من الانخفاض الحاد في التغذية الطبيعية للحوض الجوفي، وهو ما انعكس فوراً على قدرة الشبكة في تزويد السكان بالمياه.

هذا التراجع الكمي تزامن مع زيادة في الطلب، ما أدى إلى تقليص ساعات الضخ حالياً، تصل المياه إلى غالبية أحياء دمشق وريفها كل 48 ساعة فقط، وغالباً بضغط منخفض لا يكفي لملء الخزانات. ومع تراجع الإمدادات العامة، لجأ المواطنون إلى شراء المياه من الصهاريج، حيث يبلغ سعر الواحد منها نحو 100 ألف ليرة سورية مقابل 10 أمتار مكعبة، وهو مبلغ يثقل كاهل الأسر ذات الدخل المحدود في ظل الأزمة الاقتصادية.

ورغم هذه التحديات، حاولت مؤسسة المياه إيجاد بدائل عبر إعادة تشغيل آبار في زرزر، وادي الكنائس، وجديدة يابوس، ما يضيف قرابة 10 آلاف متر مكعب يومياً إلى الشبكة، كما يجري العمل على إعادة تأهيل آبار في اليرموك ومنطقة التقدم بالتعاون مع منظمة اليونيسف، إضافة إلى معالجة مشكلة الآبار المتوقفة في شارع الثلاثين نتيجة سرقة تجهيزاتها الكهربائية.
لكن هذه الخطوات تبقى محدودة قياساً بحجم النقص، إذ تشير تقديرات غير رسمية إلى أن العاصمة تحتاج أكثر من 1.5 مليون متر مكعب يومياً لتغطية احتياجات سكانها، بينما الكميات المتوفرة أقل بكثير.

في نهاية المطاف، يجمع خبراء المياه على أن جذور الأزمة تتوزع بين التغير المناخي، الضغط السكاني، ضعف البنية التحتية، وقصور الإدارة.
ويرون أن الحلول الإسعافية لن توقف تكرار المشكلة ما لم تُعتمد استراتيجية وطنية متكاملة، تبدأ من تطوير شبكات النقل والتوزيع لتقليل الفاقد الذي يقدَّر بنحو 30 إلى 40%، وتمر بالاستثمار في تقنيات حصاد المياه والتخزين الاستراتيجي، وتشجيع إعادة استخدام المياه المعالجة في الزراعة والصناعة، وصولاً إلى ربط إدارة المياه بسياسات الطاقة والبيئة.
ويؤكد الخبراء أن مستقبل الأمن المائي للعاصمة مرهون بانتقالها من إجراءات مؤقتة إلى تخطيط طويل الأمد يوازن بين الموارد المتاحة والطلب المتنامي. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 7