قرب ديمونا بإسرائيل صور فضائية تكشف توسعاً في منشأة نووية غامضة.. ما القصة

2025.09.03 - 04:55
Facebook Share
طباعة

كشفت صور التقطتها الأقمار الاصطناعية عن توسع لافت في منشأة نووية قرب مدينة ديمونا في صحراء النقب، وهي المنطقة التي تضم ما يُعرف بـ"مركز شمعون بيريز للأبحاث النووية". ورغم أن إسرائيل تلتزم سياسة "الغموض النووي"، إلا أن حجم البناء وطبيعته أعادا فتح النقاش حول طبيعة الأنشطة الجارية: هل هي خطوة لتشييد مفاعل جديد، أم أنها مرتبطة بتطوير أو تجميع رؤوس نووية ضمن ترسانة قائمة بالفعل؟

 

منذ عام 2021، بدأت الصور الفضائية تكشف حفريات عميقة قرب المفاعل القائم، وصلت إلى نحو 150 متراً طولاً و60 متراً عرضاً. لكن الصور الأخيرة، التي تعود إلى يوليو 2025، أظهرت تحوّل تلك الحفريات إلى بناء محاط بجدران خرسانية سميكة ومتعددة الطوابق تحت الأرض. هذه الخصائص دفعت خبراء إلى القول إن الموقع قد يستضيف مفاعلاً جديداً للماء الثقيل قادر على إنتاج البلوتونيوم، وهي المادة التي تشكّل جوهر صناعة القنابل النووية. آخرون لم يستبعدوا أن يكون الهدف إنشاء منشأة لتجميع أو تحديث الرؤوس النووية.

 

يُعدّ مفاعل "ديمونا" الحالي، الذي بدأ العمل في ستينيات القرن الماضي، من أقدم المفاعلات العاملة في العالم. ورغم تجاوزه العمر الافتراضي لمثيله من المفاعلات، ظل يعمل لعقود وسط سرية مطلقة، ودون أي رقابة دولية. هذه الظروف تجعل منطقياً أن تبحث إسرائيل عن بدائل أو تحديثات، سواء عبر استبدال المفاعل القديم أو عبر بناء مرافق جديدة مكمّلة له.

 

إسرائيل واحدة من أربع دول فقط لم توقّع على معاهدة حظر الانتشار النووي، ما يعني أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تملك الحق في تفتيش مفاعل ديمونا أو غيره من المنشآت النووية الإسرائيلية. هذا الغياب للشفافية يُبقي النقاش مفتوحاً حول طبيعة الأنشطة الجارية، ويفسح المجال أمام تكهنات متباينة: من تحديث بنية تحتية متهالكة إلى تعزيز القدرة على إنتاج المزيد من الرؤوس الحربية.

 

في ثمانينيات القرن الماضي، أدت تسريبات وصور نادرة إلى استنتاج أن إسرائيل تمتلك بالفعل ترسانة نووية. ومنذ ذلك الحين، تُقدّر دراسات مستقلة أن الترسانة تتراوح بين 80 إلى 90 رأساً حربياً. ويُعتقد أن هذه الترسانة تعتمد بشكل أساسي على البلوتونيوم المنتج في مفاعل ديمونا. وإذا صحّت التكهنات حول بناء مفاعل جديد، فهذا قد يشير إلى نية إسرائيل الحفاظ على إنتاجها النووي أو حتى زيادته.

 

يأتي هذا الكشف في لحظة إقليمية حساسة. ففي يونيو الماضي، شنّت إسرائيل والولايات المتحدة ضربات على مواقع نووية إيرانية بذريعة منع طهران من تطوير قدرات تسليحية. لكن في المقابل، فإن استمرار إسرائيل في تحديث منشآتها النووية بعيداً عن الرقابة الدولية يُضعف موقفها الأخلاقي ويثير انتقادات واسعة من دعاة نزع السلاح. كما يفاقم من مخاوف سباق تسلّح إقليمي، خصوصاً في ظل التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط.

سياسة الغموض النووي

لطالما اعتمدت إسرائيل على سياسة "الغموض النووي"، فلا تعترف رسمياً بامتلاك أسلحة نووية ولا تنفي ذلك. هذه السياسة وفّرت لها مظلة سياسية دولية، خصوصاً من الولايات المتحدة، وأبقتها بمنأى عن الضغوط القانونية التي تُفرض على الدول الموقّعة على معاهدة حظر الانتشار. لكن استمرار التوسع في ديمونا يعيد طرح السؤال الأهم: إلى متى يمكن لإسرائيل أن تحافظ على هذا الغموض في ظل انكشاف المشهد بالأقمار الاصطناعية؟


تظل صور الأقمار الاصطناعية مؤشراً بصرياً على ما يجري خلف جدران السرية النووية الإسرائيلية، لكنها لا تقدم إجابة قاطعة. وبينما ينقسم الخبراء حول طبيعة البناء الجديد قرب ديمونا، تبقى الحقيقة أن إسرائيل تواصل تطوير برنامج نووي بعيداً عن أي رقابة أو مساءلة. في منطقة تغلي بالصراعات والحروب، يُثير ذلك مخاوف متزايدة من أن الشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة من سباق تسلّح نووي غير معلن، تتصدره إسرائيل تحت ستار الغموض.


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 9