إعلان جهاز "الشاباك" الإسرائيلي عن اعتقال خلية تابعة لحركة حماس في مدينة الخليل بالضفة الغربية، قيل إنها تُدار من تركيا وخطّطت لاغتيال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير عبر طائرات مسيّرة، لا يمكن فصله عن سياق سياسي وأمني متشابك. فبينما يسعى الاحتلال لتقديم نفسه كمنتصر في "معركة العقول"، تكشف هذه الرواية – حتى لو صحت – عن مدى حضور المقاومة وجرأتها في التفكير باستهداف أحد أكثر رموز التطرف في إسرائيل.
وفق بيان "الشاباك"، فإن المعتقلين اشتروا طائرات مسيّرة جهّزوها لحمل عبوات ناسفة، وكان الهدف استخدامها في عملية نوعية ضد بن غفير. لكن البيان لم يقدّم تفاصيل دقيقة: لا أعداد واضحة للمعتقلين، ولا أسماء، ولا حتى تسلسل زمني للأحداث، ما يثير علامات استفهام حول صدقية الرواية.
هذا النمط من "الكشف الأمني" يتكرر باستمرار في إسرائيل: روايات مشوَّهة التفاصيل، تُسوَّق إعلاميًا لرفع منسوب الردع، أكثر مما تُستخدم في تقديم حقائق ملموسة.
التوقيت ليس بريئًا. فبن غفير يواجه انتقادات داخلية حتى من المؤسسة الأمنية بسبب سياساته المتطرفة التي تُحرج الجيش وتستفز الشارع الفلسطيني. وعليه، فإن تصويره كهدف "بطولي" للمقاومة يتيح له الظهور بمظهر القائد المهدَّد، ويعزز مكانته لدى قواعد اليمين المتطرف.
في الوقت نفسه، يمنح الشاباك فرصة لتلميع صورته بعد سلسلة إخفاقات في الضفة والقدس، حيث تزايدت العمليات الفدائية رغم القبضة الأمنية.
إدخال اسم تركيا في الرواية ليس جديدًا. فتل أبيب تحاول منذ سنوات استخدام ورقة "عناصر حماس في أنقرة" لتشويه علاقة تركيا بالحركة، ولابتزاز أنقرة سياسيًا كلما توترت العلاقات. هذه المرة، يوظف الاحتلال الملف ليقول إن "الخطر الفلسطيني يتخطى الحدود"، في محاولة لإقناع الغرب بخطورة أي مساحة آمنة تُمنح لقيادات المقاومة خارج فلسطين.
سواء صحت التفاصيل أم لا، الرسالة الأهم تكمن في أن المقاومة ما زالت حاضرة ومبدعة في التفكير بأساليب جديدة، حتى في ظل الاعتقالات والملاحقات. مجرد طرح فكرة استهداف شخصية بمستوى بن غفير يُعد دلالة على أن الاحتلال بكل ترسانته الأمنية لا يستطيع تطويق الحاضنة الشعبية أو إطفاء إرادة الفعل المقاوم.
في النهاية، يبقى السؤال: هل كشف الاحتلال فعلًا خلية خطيرة، أم أن الإعلان مجرد بروباغندا لحماية سمعة الشاباك ورفع أسهم بن غفير؟ ما هو مؤكد أن هذه السرديات، مهما تكررت، لا تغير حقيقة أساسية: أن المقاومة الفلسطينية مستمرة، وأنها باتت جزءًا من معادلة الردع التي تحاصر الاحتلال في الداخل والخارج على السواء.