تشهد العاصمة اليمنية صنعاء منذ الغارة الإسرائيلية الأخيرة على اجتماع قيادات الحوثيين، حالة من الغموض والارتباك، وسط تساؤلات عميقة حول ما إذا كان الاستهداف نتيجة اختراق أمني داخلي أم انكشاف في المنظومة الاستخباراتية للجماعة. الغارة، التي وُصفت بالأدق منذ سنوات، أسفرت عن مقتل رئيس حكومة الحوثيين أحمد غالب الرهوي وتسعة من وزرائه، فيما يلف الغموض مصير وزير الدفاع محمد العاطفي ووزير الداخلية عبد الكريم الحوثي.
مصادر محلية في صنعاء أكدت أن العاطفي وعبد الكريم الحوثي لم يظهرا علناً منذ لحظة الاستهداف، وسط أنباء عن إصابتهما بجروح بليغة وخضوعهما للعلاج في المستشفى العسكري. في المقابل، لجأت الجماعة إلى إصدار بيانات منسوبة لهما بغرض نفي الشائعات، إلا أن غياب الظهور المباشر عزز الشكوك بشأن حالتهما.
اللافت أن الاجتماع الوزاري المستهدف امتد لساعات خلافاً للعادة، إذ عادة ما تُعقد لقاءات حكومة الحوثيين لفترات قصيرة وتقتصر على حضور محدود. إلا أن الحاضرين أُبقوا في القاعة بانتظار خطاب لعبد الملك الحوثي، ما جعلهم هدفاً مكشوفاً. دقة الضربة، واستهداف مبنى مستأجر محاط بمكاتب مدنية، أثارتا تساؤلات عن تسريب معلومات حساسة من داخل الدائرة الحوثية أو عبر اختراق استخباراتي إقليمي ودولي.
عقب الغارة، أطلق جهاز الأمن والمخابرات الحوثي تحذيرات مشددة ضد أي "تواصل مع جهات مشبوهة"، في خطوة فسّرها مراقبون باعتراف ضمني بوجود ثغرة داخلية. بالتوازي، وسّعت الجماعة حملة اعتقالات طالت موظفين أمميين في صنعاء والحديدة، بينهم كوادر بارزة في برنامج الأغذية العالمي ومنظمة «يونيسف». هذه الإجراءات وُصفت بأنها محاولة لتشديد القبضة الأمنية وصرف الأنظار عن الاختراق الكبير الذي ضرب الجماعة.
الحكومة اليمنية ندّدت بما سمّته «نهج الابتزاز» الذي تتبعه الجماعة عبر اعتقال العاملين الإنسانيين، معتبرة أن الهدف هو استخدامهم كرهائن للضغط السياسي. وحمّلت الحوثيين المسؤولية الكاملة عن سلامة المختطفين، داعية إلى نقل مقار المنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن. وفي المقابل، نفت الأمم المتحدة أي دور لها في تسهيل نقل مصابين حوثيين للعلاج بالخارج، مؤكدة أن رحلاتها مخصصة حصراً للأنشطة الإنسانية.
تتعامل قيادة الحوثيين حالياً مع مأزق مزدوج: داخلي يتمثل في انكشاف أمني أدى إلى فقدان رموز بارزة في الصف الأول، وخارجي يتمثل في تصاعد التوتر مع المجتمع الدولي على خلفية الاعتقالات التعسفية. هذا الوضع يهدد قدرة الجماعة على إظهار التماسك السياسي والعسكري، ويكشف هشاشة منظومتها الأمنية في مواجهة ضربات دقيقة ومتكررة.
انخراط الحوثيين في استهداف إسرائيل منذ حرب غزة 2023 – سواء عبر ضربات في البحر الأحمر أو هجمات بطائرات مسيرة – جعلهم طرفاً مباشراً في الصراع الإقليمي، ما دفع إسرائيل إلى تكثيف ضرباتها في العمق اليمني. ومع توالي الغارات على صنعاء وصعدة والحديدة، يبدو أن الجماعة تواجه تحدياً استثنائياً يختبر بنيتها الأمنية، وقدرتها على الاستمرار في خوض حرب متعددة الجبهات.