بيروت على شفير الغرق بسبب التأجيلات البلدية

2025.09.03 - 01:40
Facebook Share
طباعة

 شهدت جلسة مجلس بلدية بيروت الأخيرة هدوءاً غير معتاد، لكن هذا الهدوء لم يكن بسبب تسويات حقيقية، بل نتيجة غياب الملفات الحيوية والنقاشات الجوهرية، وسط ما يمكن وصفه بـ"الملل الإداري" من دون تحقيق نتائج فعلية. الجلسة اقتصرت على تمرير بنود ثانوية تتعلق بفتح المناقصات، وتنظيم أعمال الري والحدائق، وتأمين اليد العاملة للمهام اللوجستية، بينما تأجلت البنود الأساسية التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر.


أبرز الملفات المؤجلة كان يتعلق بتثبيت المتعاقدين، الذي يشمل أكثر من 80 عاملاً من الطائفة المسيحية. التأجيل جاء لإحالة الملف إلى اللجنة المالية لدراسة كلفة التثبيت ومدى التزام العمال، رغم مطالب الأعضاء المسيحيين بضرورة تمريره، معتبرين أن هؤلاء العمال خدموا البلدية لأكثر من 15 عاماً من دون حقوق واضحة. ويشير المراقبون إلى أن هذا التأجيل، على الرغم من أهميته المالية، يحمل في طياته تبعات اجتماعية وسياسية تؤثر على صورة البلدية أمام المواطنين.


الأكثر خطورة كان تأجيل البند المتعلق بتنظيف وتأهيل شبكات الصرف الصحي ومجاري مياه الأمطار في العاصمة. هذا التأخير، الذي يعود إلى خلافات بين رئيس البلدية إبراهيم زيدان وإدارة البلدية، يهدد بتكرار سيناريو الفيضانات عند أول شتوة، خصوصاً وأن أعمال الصيانة المعتادة في الصيف لم تنفذ. النزاع بين الزيدان والإدارة يتمحور حول اعتماد المناقصات بدلاً من التلزيم المباشر، وسط خلاف على أسلوب التنفيذ والرقابة المالية، ما أدى إلى شلل مؤقت في الملف وتهديد مباشر للأمان البيئي والصحي للعاصمة.


الجدل بين رئيس البلدية والموظفين يظهر في ملفات أخرى أيضاً، مثل رفض زيدان توقيع فواتير القرطاسية غير المفصلة، ما دفع الموظفين إلى إحالة المراجعين إليه مباشرة، ليضطر في النهاية إلى توقيعها. هذا الصراع يعكس خللاً في التوازن بين الرقابة الإدارية وممارسة السلطة التنفيذية، ويزيد من مخاطر التعطيل على المشاريع الأساسية التي تمس المواطنين بشكل مباشر.


تحليل الوضع يشير إلى أن بيروت تواجه تحدياً مزدوجاً: أولاً، الصراعات الداخلية بين إدارة البلدية ورئيسها التي تعيق تنفيذ المشاريع الحيوية، وثانياً، خطر طبيعة الإجراءات البيروقراطية الطويلة التي قد تؤدي إلى تفاقم الأزمات عند أول حدث موسمي كالفيضانات. إن استمرار هذا الوضع دون حلول عاجلة قد يحوّل العاصمة إلى مسرح لأزمات متكررة، تجعل المواطنين ضحايا للتأجيلات الإدارية والنزاعات الشخصية بين المسؤولين.


من منظور استراتيجي، يحتاج مجلس بلدية بيروت إلى إعادة ترتيب الأولويات، بحيث يتم التركيز على المشاريع الأساسية التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر، مع وضع آليات واضحة للرقابة والشفافية، توازن بين ضبط الإنفاق وتسريع الإنجاز. كما أن اعتماد أساليب علمية واحترافية في صيانة شبكات الصرف الصحي والمرافق العامة ضروري لتجنب الكوارث البيئية والصحية، ويجب أن يكون جزءاً من خطة عمل سنوية واضحة تُنفذ في مواسم محددة لتلافي أي تأثيرات موسمية.


في الختام، يبدو أن العاصمة اللبنانية تواجه تحدياً حقيقياً بين النزاعات الإدارية والمهام الحيوية المهددة بالتأجيل. استمرار هذه الديناميكية من دون حلول عملية قد يجعل كل أمطار الشتاء المقبلة مناسبة لتكرار الكارثة، ويؤكد الحاجة إلى إرادة سياسية وإدارية حقيقية لتجاوز الصراعات الداخلية وتحقيق استقرار فعلي للمشاريع الأساسية في بيروت.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 10