تشهد مدينة القدس منذ صباح اليوم الأربعاء موجة متصاعدة من الاحتجاجات غير المسبوقة التي تقودها عائلات الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى حركة "حماس"، وسط حالة من التوتر السياسي والاجتماعي تعكس عمق الأزمة التي تعيشها حكومة بنيامين نتنياهو منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في أكتوبر الماضي.
اندلعت المظاهرات قرب مقر إقامة رئيس الوزراء، حيث أشعل المحتجون النيران في حاويات قمامة وسيارة متوقفة في محيط المنزل، ما اعتُبر رسالة ضغط قوية موجهة إلى نتنياهو بضرورة التوجه نحو اتفاق تبادل أسرى ووقف الحرب. هيئة البث الإسرائيلية أشارت إلى أن هذه الخطوة تمثل تصعيدًا رمزيًا مقصودًا يهدف إلى إحراج نتنياهو أمام الرأي العام.
لم تقتصر الاحتجاجات على محيط منزل رئيس الوزراء؛ إذ لجأ بعض المحتجين إلى التحصن فوق سطح المكتبة الوطنية، بينما انطلقت قوافل سيارات عبر الطريق السريع رقم 1 في مسعى لتوسيع نطاق التحركات وإبراز حجم الغضب الشعبي. بالتوازي، تجمع متظاهرون أمام منزل وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، مطالبين بوقف خطط الحكومة العسكرية واعتماد خيار التفاوض المباشر لإعادة الأسرى.
وفق البرنامج المعلن للاحتجاجات، تبدأ الفعاليات في الواحدة والنصف ظهرًا بتجمع عائلات الأسرى وأمهات الجنود أمام الكنيست، يليها انطلاق مسيرة باتجاه مقر إقامة رئيس الوزراء، حيث تقام خيمة احتجاجية يتحدث فيها أقارب الأسرى. كما تشمل الفعاليات مظاهرة أمام المحكمة العليا، ومسيرات أخرى في شارع غزة، ما يعكس إصرار المنظمين على إبقاء الضغط قائمًا طيلة اليوم.
أعلنت الشرطة الإسرائيلية عن وقوع انتهاكات للنظام العام، أبرزها تسلق متظاهرين لأسطح المباني في "غفعات رام" وإشعال قنابل دخان، إلا أنها امتنعت عن تفريقهم بالقوة، واكتفت بالسماح لهم بالتواجد في الساحات المجاورة، فيما وزّع ضباط الشرطة لافتات على المحتجين في محاولة لتهدئة التوتر. لكن في ظل التحذيرات من إغلاق طرق رئيسية وتكدس حركة المرور، تبدو شوارع القدس مرشحة لمزيد من الفوضى.
تصرّ عائلات الأسرى على أن استمرار الحرب يهدد حياة أبنائهم ويزيد من تعقيد فرص إعادتهم، متهمين الحكومة بالمماطلة واستخدام قضيتهم كورقة مساومة سياسية. ويرى مراقبون أن هذه الاحتجاجات لم تعد مجرد صرخة إنسانية، بل تحولت إلى حركة ضغط منظمة قد تؤدي إلى إعادة صياغة أولويات النقاش السياسي داخل إسرائيل.
داخليًا، تمثل هذه الاحتجاجات تحديًا مباشرًا لنتنياهو، الذي يواجه بالفعل أزمة ثقة داخل ائتلافه الحكومي وبين قيادات الجيش. فتصاعد الغضب الشعبي من قضية الأسرى يضعف موقفه أمام المعارضة التي تستغل الأزمة لتصويره كزعيم غير قادر على اتخاذ قرارات استراتيجية، فيما يزداد تململ الشارع الإسرائيلي من استمرار الحرب دون نتائج ملموسة.
خارجيًا، تعكس هذه المظاهرات هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي، خاصة في ظل ضغوط أمريكية وأوروبية متزايدة لدفع تل أبيب نحو حلول سياسية. وقد يرى خصوم إسرائيل في استمرار هذه الاضطرابات فرصة لتعميق الانقسام الداخلي وإبراز صورة دولة مأزومة سياسياً واجتماعياً.
منذ اندلاع الحرب على غزة، لم تحقق إسرائيل أي تقدم ملموس في ملف الأسرى، حيث تصر حركة "حماس" على شروط تشمل وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع. هذا الجمود دفع عائلات الجنود المختطفين إلى تكثيف احتجاجاتهم، التي بدأت فردية ومتقطعة، ثم تحولت إلى حراك شعبي واسع يحرج الحكومة ويضعها تحت ضغط مزدوج: أمني داخلي وسياسي خارجي.