الجيش يعارض والسياسة العدوانية تسيطر على القرار في إسرائيل

2025.09.03 - 09:25
Facebook Share
طباعة

تصاعد الخلاف بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والقيادة العسكرية إلى مستوى غير مسبوق، بعد مواجهة مباشرة بينه وبين رئيس أركان الجيش، إيال زمير، حول استراتيجية الحرب على قطاع غزة. وأفاد مسؤولان إسرائيليان لشبكة CNN بأن زمير عارض بشدة قرار السيطرة على مدينة غزة، محذراً من المخاطر التي قد تهدد حياة 48 رهينة إسرائيلياً لا يزالون محتجزين، بالإضافة إلى التداعيات الإنسانية والاستراتيجية لتهجير نحو مليون فلسطيني من القطاع.

وحذر زمير أيضاً من المخاطر الكبيرة التي قد تواجه الجنود الإسرائيليين في ساحة المعركة، داعياً الوزراء لدراسة مقترح وقف إطلاق النار الذي قدمه وسطاء مصريون وقطريون، والذي وافقت عليه حركة حماس، مؤكداً أن هناك إطاراً جاهزاً للتنفيذ. ومع ذلك، رفض نتنياهو إدراج المقترح على جدول أعمال الحكومة، متمسكاً بخطته العسكرية الشاملة، ومستشهداً بتصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التي أكدت ضرورة "إنهاء النزاع بشكل كامل لضمان إطلاق جميع الرهائن دفعة واحدة".

ورغم موقف زمير الصارم، حصل على دعم محدود من بعض الوزراء داخل الحكومة، بينما شن حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف هجمات عنيفة عليه، واعتبروه "ضعيفاً" ويعرقل تحقيق النصر على حماس. ويعكس هذا الخلاف نمطاً متكرراً منذ تولي الحكومة الحالية مهامها في يناير 2023، حيث غالباً ما تم تجاهل توصيات الجيش. وفي الوقت ذاته، حاول نتنياهو تحميل القيادات الأمنية السابقة مسؤولية هجمات 7 أكتوبر 2023، بينما عيّن زمير نفسه بدعم من وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، بعد أن شغل زمير منصب سكرتيره العسكري، في خطوة اعتبرها مراقبون تعزيزاً للسيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية.

على الأرض، أعلن عدد من جنود الاحتياط رفضهم المشاركة في العملية العسكرية المرتقبة للسيطرة على غزة، معتبرين أن القرار يهدد حياة الرهائن ويزيد المأساة الإنسانية. وتطلق هذه المجموعة على نفسها اسم "جنود من أجل الرهائن"، ووصفت قرار السيطرة على المدينة بأنه "غير قانوني بشكل صارخ"، محذرة من أن الجنود المشاركين قد يتحملون مسؤولية جنائية وشخصية. وحتى الآن، لم تتلق المجموعة أي رد رسمي من السلطات العسكرية أو المدنية.

تأتي هذه التطورات في وقت تواجه إسرائيل ضغوطاً متزايدة على المستوى الدولي لإيجاد حل دبلوماسي يوقف التصعيد، في ظل تحذيرات خبراء من كارثة إنسانية محتملة إذا استمرت الحرب. كما أن هذه الأزمة تعكس الانقسام الحاد بين الرؤية السياسية لنتنياهو، التي تركز على تحقيق نصر شامل وفرض شروط قوية على حماس، وبين التقديرات المهنية للقيادة العسكرية التي تهدف إلى الحد من الخسائر البشرية والجنائية، وإدارة المخاطر الأمنية بشكل محسوب.

ويضيف الصراع الداخلي مزيداً من التعقيد إلى المشهد، إذ يشير مراقبون إلى أن استمرار التوتر بين القيادة السياسية والعسكرية قد يؤدي إلى فقدان التنسيق في العمليات العسكرية، ويزيد من احتمالية ارتكاب تجاوزات تؤدي إلى تداعيات دولية واسعة. كما أن موقف جنود الاحتياط يمثل مؤشراً نادراً على رفض مباشر للسلطة السياسية، وهو ما لم يكن معتاداً في تاريخ الجيش الإسرائيلي، مما يزيد من حدة الأزمة.

من الناحية الإنسانية، يثير هذا الصراع تساؤلات حول مصير المدنيين في غزة، حيث تشير التقديرات إلى أن السيطرة العسكرية على المدينة ستؤدي إلى نزوح جماعي لمئات الآلاف، مع مخاطر كبيرة على الرعاية الصحية والغذاء والمأوى. وقد سبق أن حذرت منظمات حقوقية دولية من أن أي عملية عسكرية شاملة قد تترتب عليها "كارثة إنسانية غير مسبوقة".

في سياق متصل، تبرز مسألة الرهائن الإسرائيليين كعامل حاسم في تعقيد الوضع، إذ يضغط نتنياهو على الجيش لتحقيق صفقة شاملة لإطلاقهم جميعاً دفعة واحدة، بينما ترى القيادة العسكرية أن البدء بعملية واسعة قد يعرض حياتهم للخطر، ويحول عملية التبادل إلى فشل كارثي.

ويشير المحللون إلى أن الصراع بين نتنياهو وزمير يعكس خلافاً أعمق حول فلسفة إدارة الحرب في إسرائيل، بين من يراها كمعركة سياسية تحقق أهدافاً استراتيجية طويلة الأمد وبين من يراها مسألة عسكرية تحمي الجنود والمدنيين، وتقلل من المخاطر الإنسانية والقانونية. وفي هذا السياق، يبقى السؤال حول إمكانية التوصل إلى حل وسط ينقذ الأرواح دون أن يُضعف موقف إسرائيل السياسي في الصراع مع حماس.

مع استمرار الأزمة، يراقب المجتمع الدولي عن كثب التطورات، حيث تتصاعد الدعوات للتوسط بين الأطراف الإسرائيلية والفلسطينية، ولفتح مسار تفاوضي يحد من الخسائر ويحقق تقدماً في صفقة تبادل الأسرى، في وقت يزداد فيه القلق من أن استمرار التصعيد قد يحوّل الصراع المحلي إلى أزمة إقليمية أوسع.

 

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 7