تعيش ليبيا حالة من الانقسام السياسي المستمر منذ سنوات، مع وجود مجلس النواب في طبرق والمجلس الأعلى للدولة في طرابلس، ما أدى إلى تكرار الصراعات على السلطة وقراراتها، هذا الانقسام ينعكس على المؤسسات الوطنية، خصوصاً الاقتصادية منها، حيث تصاعدت النزاعات حول السيطرة على المصرف المركزي والمؤسسات النفطية، ما يزيد من هشاشة الدولة ويقوض فرص الاستقرار.
كما أن التدخلات العسكرية والوجود المتنوع للميليشيات المسلحة والقوات الأجنبية ساهم في تعقيد الوضع، إذ أصبحت أي تحركات عسكرية محلية تتسبب في توترات كبيرة، حتى لو كانت محدودة النطاق، الحشد الأخير للقوات بالقرب من طرابلس يوضح مدى هشاشة الوضع الأمني، ويعيد للأذهان مرحلة ما قبل اندلاع الصراعات الكبرى في سنوات ماضية.
أسباب الحشد العسكري وتصاعد التوتر:
تصاعد التوترات العسكرية في طرابلس مؤخرًا يعكس تراكمًا طويل الأمد من الاحتكاكات السياسية والعسكرية، الحشد العسكري الأخير جاء في سياق محاولات بعض الأطراف فرض النفوذ على العاصمة، سواء عبر استعراض القوة أو التحضير لمواجهة محتملة مع خصومهم السياسيين والعسكريين.
الأسباب تتعدى الصراع على السلطة؛ فهناك أيضًا منافسة على الموارد الاقتصادية، وخاصة التحكم بالمؤسسات المالية والنفطية، وهو ما يضيف بُعدًا اقتصاديًا للصراع السياسي. تضاف إلى ذلك مخاوف الأطراف من استبعادها من أي تسوية سياسية، ما يدفعها إلى تأمين مواقع استراتيجية بالعاصمة ومحيطها.
دور الجامعة العربية والتحذيرات الدولية:
أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، عن بالغ قلقه من تصاعد الحشد العسكري، محذرًا من الانزلاق مجددًا إلى صراع مسلح قد يهدد استقرار ليبيا ووحدتها. وقد دعا أبو الغيط الأطراف الليبية كافة إلى الانخراط الجاد في مسارات التفاوض، محذرًا من أن استخدام العنف لن يؤدي سوى إلى تعميق الانقسام، وإعادة إنتاج حلقات العنف السابقة.
الجامعة العربية، من خلال هذا التحذير، تسعى لتأكيد دورها في دفع الحوار الليبي الليبي، بالتعاون مع شركائها الإقليميين والدوليين، وتكرار الدعوات لإنهاء وجود الميليشيات المسلحة والقوات الأجنبية، وترك الخيار السياسي هو الوسيلة الوحيدة لاستعادة الاستقرار.
موقف بعثة الأمم المتحدة في ليبيا:
في الساعات الأخيرة، رصدت بعثة الأمم المتحدة تحركات مكثفة للقوات وآليات عسكرية في طرابلس، بالإضافة إلى سماع دوي إطلاق نار في بعض المناطق. وعبرت البعثة عن قلقها البالغ، داعية جميع الأطراف إلى وقف التصعيد فورًا، وحماية المدنيين والبنية التحتية.
البيان الصادر عن البعثة يشدد على ضرورة مواصلة المفاوضات تحت إشراف المجلس الرئاسي الليبي، ومناقشة القضايا العالقة بحسن نية، بما يحقق المصلحة العليا لسكان طرابلس المدنيين. كما رحبت البعثة بخارطة الطريق الأممية المقدمة من هانا تيته، رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والتي تهدف إلى توحيد المؤسسات وإجراء الانتخابات، معتبرة أن الالتزام بها قد يوفر إطارًا مستدامًا لتحقيق الاستقرار.
تداعيات التصعيد على المدنيين والاقتصاد:
تشتد التوترات في طرابلس يضاعف المخاطر على المدنيين، إذ يعرضهم لإطلاق نار مباشر، وانقطاع الخدمات الأساسية، وخطر تضرر البنية التحتية الحيوية.
ومن المتوقع أن يؤدي أي صراع مسلح جديد إلى نزوح سكان إضافي، وزيادة معاناة النازحين داخليًا، وتفاقم الأزمة الإنسانية التي لا تزال ليبيا تواجهها منذ سنوات.
اقتصاديًا، يمكن أن تؤدي أي مواجهات مسلحة إلى تعطيل عمل المؤسسات الاقتصادية، وإضعاف المصرف المركزي، وعرقلة صادرات النفط التي تعد شريان الاقتصاد الليبي.
هذه التداعيات تجعل من الضروري التوصل إلى حل سياسي سريع، لأن استمرار الصراع لن يؤثر فقط على الوضع الداخلي، بل سيمتد تأثيره إلى الاستقرار الإقليمي.
خيارات الحل السياسي المستقبلية:
المحللون السياسيون يشددون على أن الحلول العسكرية لن تؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام، مؤكدين أن الطريق الوحيد للاستقرار يكمن في الحوار الليبي الليبي، وضرورة التزام الأطراف المعنية بالخارطة الأممية التي تهدف إلى توحيد المؤسسات وتنظيم الانتخابات.
جامعة الدول العربية وبعثة الأمم المتحدة يواصلان لعب دور الوساطة، بالتعاون مع شركاء دوليين وإقليميين، لتسهيل الحوار، ومعالجة الخلافات القائمة على أسس دستورية وسياسية، بعيدًا عن النزاعات المسلحة.
ويُعتبر هذا الإطار فرصة حقيقية لتجنب الانزلاق إلى دوامة جديدة من الصراع، واستعادة سيادة الدولة على مؤسساتها.
ليبيا على مفترق طرق:
استمرار التصعيد العسكري سيعني العودة إلى مرحلة من الانقسامات والصراعات، بينما الالتزام بالحل السياسي قد يوفر فرصة لإعادة الاستقرار وتعزيز الدولة ومؤسساتها.
تحذيرات جامعة الدول العربية، ودعوات بعثة الأمم المتحدة، تمثل نداءات عاجلة لكافة الأطراف للتراجع عن التصعيد، والانخراط بحسن نية في عملية التفاوض، بما يضمن حماية المدنيين والحفاظ على وحدة واستقرار البلاد.