أطلق زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد تحذيرات غير مسبوقة ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، معتبرًا أن فوز ائتلافه في الانتخابات المقبلة سيكون بمثابة "نهاية الصهيونية" وبداية تفكك الدولة الإسرائيلية. جاءت تصريحاته في مؤتمر لحزبه "يش عتيد" في تل أبيب، في مشهد يعكس حجم الانقسام الداخلي الحاد حول مستقبل الدولة ومؤسساتها.
في كلمته، شدد لابيد على أن إسرائيل تقف أمام مفترق طرق مصيري، حيث على المجتمع أن يختار بين "دولة عصرية متمدنة تحافظ على قيم الديمقراطية والتقاليد اليهودية" أو "كيان متخلف يحوّل الدين إلى أداة عنصرية ويلغي الديمقراطية".
وأكد أن استمرار حكم نتنياهو وائتلافه الديني – القومي سيقود البلاد إلى انهيار داخلي يفقدها هويتها ومستقبلها خلال عامين فقط.
ولفت إلى أن "إنقاذ الدولة" يتطلب خطوات جذرية، أبرزها صياغة دستور، تعزيز منظومة التعليم، وحماية استقلال المؤسستين الأمنية والقضائية من تدخلات سياسية.
الصراع بين لابيد ونتنياهو ليس جديدًا. فمنذ دخوله السياسة عام 2012، قدّم لابيد نفسه كوجه إصلاحي مدني في مواجهة "هيمنة اليمين الديني – القومي" الذي يتزعمه نتنياهو.
وقد بلغ التوتر بينهما ذروته عام 2021، حين نجح لابيد في تشكيل ائتلاف حكومي متنوع أخرج نتنياهو من الحكم للمرة الأولى منذ 12 عامًا. لكن هذا الائتلاف سرعان ما انهار بعد عام واحد، ليعود نتنياهو إلى رئاسة الحكومة بدعم من أحزاب دينية متشددة وقوى يمينية متطرفة.
منذ ذلك الحين، بات لابيد في موقع "زعيم المعارضة الرئيس"، يهاجم ما يسميه "تحالف الفساد والتطرف"، محذرًا من أن سياسات نتنياهو – خصوصًا الإصلاحات القضائية المثيرة للجدل – تقوّض ركائز النظام الديمقراطي الإسرائيلي.
تستمر الحرب في قطاع غزة كعامل ضاغط على الداخل الإسرائيلي، حيث باتت تستنزف الموارد المالية والبشرية وتفاقم الشعور بانعدام الأمن. هذه الحرب لا تقتصر تداعياتها على الجبهة العسكرية، بل تنعكس مباشرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، بما في ذلك تزايد العجز المالي، هروب الاستثمارات، وتراجع ثقة الشارع في قدرة الحكومة على إدارة الأزمات المتعددة.
إلى جانب الضغوط العسكرية، تعيش إسرائيل واحدة من أعمق أزماتها المجتمعية، مع انقسام حاد بين تيارين متناقضين: الأول يدفع باتجاه ترسيخ هوية دينية – قومية للدولة، فيما يسعى الثاني إلى تثبيت إسرائيل كدولة مدنية ليبرالية ذات طابع يهودي. هذا الانقسام بات يهدد تماسك الجبهة الداخلية، ويحوّل كل استحقاق انتخابي إلى معركة وجودية حول طبيعة الكيان ذاته.
يظل غياب دستور مكتوب أحد أبرز أوجه الأزمة البنيوية في إسرائيل. فبينما يحاجج اليمين بضرورة تعزيز الهوية اليهودية عبر التشريعات الأساسية، تتمسك المعارضة بضرورة صياغة دستور يضمن فصل السلطات ويحمي استقلال القضاء والأجهزة الرقابية. هذا الجدل يضع مؤسسات الدولة أمام اختبار صعب، ويجعل مستقبل النظام السياسي مرهونًا بمدى قدرة المجتمع على التوصل إلى تسوية دستورية شاملة.
في هذا السياق، يحاول لابيد تصوير الانتخابات المقبلة على أنها "استفتاء مصيري" على هوية إسرائيل: بين دولة ليبرالية حديثة أو كيان ديني قومي يتعارض مع المشروع الصهيوني ذاته.