في لبنان، أصبح تقلب سعر الدولار جزءًا من الحياة اليومية للمواطنين، إذ ينعكس مباشرة على القدرة الشرائية وعلى أسلوب الحياة في المدن والقرى على حد سواء. منذ سنوات، يواجه اللبنانيون تراجعًا حادًا في قيمة الليرة مقابل الدولار، ما جعل أي خبر سياسي أو أمني في المنطقة يتحول سريعًا إلى هزة مالية تؤثر على الأسواق، المحلات الصغيرة، وحتى التحويلات المالية من الخارج، التي تعتبر شريان الحياة للعديد من العائلات.
الأسواق المحلية تشهد تذبذبًا مستمرًا في الأسعار، حيث يضطر أصحاب المحلات إلى رفع الأسعار أو البحث عن بدائل محلية للمواد المستوردة لمواكبة ارتفاع تكاليف الشراء في الوقت نفسه، يسعى المواطنون لتعديل ميزانياتهم اليومية باستمرار، لتغطية الحاجيات الأساسية مثل الغذاء والوقود والأدوية، وسط انخفاض القدرة الشرائية المتفاقم.
التحويلات المالية من الخارج لا تزال توفر بعض الدعم، لكنها تبقى وسيلة مؤقتة لتخفيف الضغوط الاقتصادية وليست حلاً طويل الأمد، في كثير من الحالات، تصل التحويلات متأخرة أو بسعر غير مناسب، ما يضطر العائلات إلى البحث عن بدائل أو تقليل استهلاكها، ما يزيد من هشاشة الحياة اليومية في ظل تقلبات سعر الدولار المستمرة.
دور الحكومة في هذا الواقع الاقتصادي يظل محدودًا. السياسات النقدية غالبًا ما تكون متأخرة وغير كافية لمواجهة انهيار الليرة، فيما يبقى دعم السلع الأساسية محدودًا ولا يغطي احتياجات الجميع. تدخلات المصرف المركزي في تثبيت سعر الصرف قصيرة المدى ولا تعالج جذور المشكلة الاقتصادية، ما يجعل الأسواق الموازية والتحويلات من الخارج أدوات بديلة لمعالجة الأزمة.
سيناريوهات محتملة:
1. استقرار جزئي مع تدخل حكومي فعال:
في حال نجحت الحكومة في وضع سياسات نقدية واضحة ودعم محدود للسلع الأساسية، قد يشهد المواطنون بعض الاستقرار النسبي، مع إمكانية استعادة ثقة محدودة في الأسواق الصغيرة، ما يقلل من ضغوط الدولار على الحياة اليومية.
2. ارتفاع الدولار بشكل متواصل:
مع استمرار التوترات الإقليمية وغياب إجراءات حكومية فعّالة، قد يواصل الدولار ارتفاعه، ما يزيد الضغوط على المستهلكين ويؤدي إلى توسع الركود في القطاعات الصغيرة، وربما انخفاض القدرة الشرائية لملايين اللبنانيين، ويجعل شراء الحاجيات الأساسية تحديًا يوميًا.
3. تحول كبير نحو الاقتصاد الموازي:
قد يلجأ المواطنون والتجار أكثر إلى الدفع بالدولار في السوق الموازية، وتوسيع التجارة الإلكترونية أو السوق غير الرسمية، ما يزيد من دور الاقتصاد الموازي ويضعف قدرة الحكومة على ضبط الأسعار وحماية المستهلك.
4. تفاقم الأزمات الأمنية والاقتصادية معًا:
في حال تصاعد التوترات الإقليمية أو إستمرار وقوع اشتباكات على الحدود، يمكن أن تتراجع الاستثمارات المحلية والأجنبية، ما يزيد هشاشة الاقتصاد ويجعل المواطنين أكثر عرضة للصدمات اليومية سواء في أسعار الدولار أو توفر السلع الأساسية، ما يضطر العائلات لتقليص استهلاكها أو البحث عن مصادر جديدة للدخل.
رغم كل هذه التحديات، يظهر المواطن اللبناني قدرة كبيرة على التكيف، سواء بالاعتماد على التحويلات، أو البحث عن بدائل محلية، أو تنظيم ميزانية الأسرة بشكل دقيق.
المرونة الاقتصادية في الأسواق الشعبية تمنح بعض الأمل في الصمود، لكنها لا تعالج جذور الأزمة، يعيش اللبنانيون اليوم بين الدولار والسلاح، بين القلق على حياتهم اليومية والحفاظ على كرامتهم الاقتصادية، في انتظار حلول فعلية من الحكومة واستقرار على الصعيد الإقليمي.