بعد أربعة عشر عاماً من الحرب التي مزقت سوريا وأثقلت كاهل سكانها، يجد اللاجئون الفلسطينيون أنفسهم أمام مرحلة جديدة مع سقوط النظام السوري في أواخر عام 2024م تمثل هذه المرحلة منعطفاً حاسماً، حيث تتشابك فرص إعادة الإعمار وتحسن مستوى المعيشة مع تحديات أمنية واقتصادية وقانونية لم تحسم بعد، في ظل ظروف إقليمية معقدة قد تعيد إنتاج مآسيهم التاريخية.
تأتي هذه الصورة وفق دراسة صادرة عن مركز الزيتونة للدراسات بعنوان "اللاجئون الفلسطينيون في سوريا بعد سقوط النظام: واقع جديد وآمال وتحديات"، للباحثة حنين عمر مراد، التي رصدت أوضاع اللاجئين في مختلف المخيمات بعد تغيّر المشهد السياسي في سوريا وتسلم الإدارة الجديدة البلاد.
انخفاض أعداد اللاجئين ودمار المخيمات:
تشير الدراسة إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين قبل الحرب كان يتراوح بين 560 و600 ألف لاجئ، موزعين على اثني عشر مخيمًا وتجمعات سكانية تحت إدارة الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين، مع خدمات أساسية تقدمها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا. لكن سنوات الحرب خلفت آثارًا مدمرة على الواقع الفلسطيني في سوريا.
فقد انخفض عدد اللاجئين إلى نحو 438 ألفًا، بينما نزح 40 في المئة منهم داخليًا وغادر نحو 20 في المئة خارج البلاد.
وقتل حوالي 4300 لاجئ واعتقل نحو ثلاثة آلاف، إضافة إلى دمار شبه كامل لمخيمات كبرى مثل اليرموك ودرعا وحندرات. وأصبح نحو 90 في المئة من اللاجئين تحت خط الفقر، وسط تفاقم البطالة وتدهور الخدمات الأساسية، وفق ما رصده مركز الزيتونة.
تفاوت أوضاع المخيمات بعد التغيير السياسي:
تظهر الدراسة تفاوتاً كبيراً في أوضاع المخيمات بعد سقوط النظام، حيث شهد مخيم النيرب في حلب دخول المعارضة دون قتال، لكنه يعاني من سرقات وخطف ويعيش ثلث سكانه تحت خط الفقر.
أما مخيم حندرات في عين التل فقد دمر بنسبة سبعين في المئة خلال الحرب ولم يقطنه سوى بضع مئات من العائلات وسط فراغ أمني وإداري استغلته العصابات، بينما نجا مخيم العائدين في حماة من المعارك واستقبل نازحين فلسطينيين، رغم أزماته الاقتصادية والبطالة المتفشية، واحتفظ مخيم العائدين في حمص بأمان نسبي، مع مبادرات أهلية لتحسين الخدمات رغم ضيق المعيشة وصعوبة التنقل.
وفي مخيم درعا شهد السكان نزوحاً واسعاً أثناء الحرب، ثم خطوات لإعادة تنظيم الإدارة المحلية، لكنه يواجه أزمات سكن وخدمات متدهورة.
أما مخيم اليرموك في دمشق، الذي كان يضم أكثر من 160 ألف لاجئ قبل الحرب، فقد عاد إليه بضعة آلاف فقط من العائلات، مع مبادرات لإعادة الإعمار وترميم المساجد والمدارس، لكنه لا يزال يعاني من أزمات حادة في الكهرباء والمياه والبطالة.
وتشير الدراسة إلى أن المخيمات الأخرى مثل خان الشيح وسبينة وجرمانا وخان دنون والست زينب ومخيم الرمل في اللاذقية تواجه أوضاعًا مشابهة، مع خدمات متدهورة واقتصاد منهار وجهود محلية ودولية محدودة للتخفيف من المعاناة.
المبادرات المحلية والدور الدولي:
وفقًا لمركز الزيتونة، حاولت المجتمعات المحلية سد الفراغ الأمني والخدمي عبر لجان أهلية لإدارة شؤون المخيمات وتنظيم حملات تنظيف وتوزيع مساعدات وإعادة إعمار جزئي بجهود تطوعية، كما لعبت الجمعيات الخيرية المحلية والدولية دورًا في تقديم الغذاء والخدمات الصحية والتعليمية. وقد استمر دور وكالة أونروا في بعض المخيمات، لكنه كان محدودًا بسبب الضغوط الدولية وتقليص الخدمات، مما أثار قلق اللاجئين الذين يعتبرون الوكالة الضمانة الأساسية لبقائهم.
آمال اللاجئين الفلسطينيين:
رغم الصعوبات، تشير الدراسة إلى وجود مؤشرات إيجابية تبعث على التفاؤل، مثل تحسن الوضع الأمني داخل المخيمات ورفع مستوى المعيشة وتحسين الخدمات والبنية التحتية، بالإضافة إلى تعزيز العمل الاجتماعي والإغاثي وإعادة إعمار المخيمات المدمرة، ومتابعة ملف المعتقلين والمفقودين، ومنح اللاجئين الفلسطينيين فرصة المشاركة في مستقبل سوريا والحفاظ على حقوقهم القانونية وفق المرسوم التشريعي رقم 260 لسنة 1956.
المخاوف والتحديات المستقبلية:
لكن الدراسة تؤكد أن هذه الآمال لا تخلو من مخاطر، حيث يثير تطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل قلق اللاجئين بشأن حقوقهم، ويثير جدل تجنيس اللاجئين تساؤلات حول الهوية الوطنية وحق العودة، كما توجد احتمالات لترحيل فلسطينيي غزة إلى سوريا ضمن ترتيبات دولية محتملة.
ويزيد تقليص خدمات أونروا من معاناة اللاجئين الاقتصادية والاجتماعية، ويبرز غياب مرجعية جامعة تمثلهم وتعقيد دور السلطة…