سوريا اليوم: أزمة اقتصادية وانقسام مجتمعي

رزان الحاج

2025.09.01 - 03:23
Facebook Share
طباعة

 تُظهر نتائج استطلاع واسع حول واقع سوريا بعد تسعة أشهر من سقوط النظام السابق، صورة معقدة لمستقبل البلاد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. الاستطلاع شمل عينة كبيرة من 3690 مشاركًا موزعين على جميع المحافظات، وغطى قضايا الاقتصاد والأمن والسياسة والهوية الوطنية، وكشف توازنات متباينة بين التفاؤل والخوف، وبين الثقة بالحكومة الجديدة ووجود شكوك حيال أدائها.


الاقتصاد: صورة قاتمة وتحديات مستمرة
على الصعيد الاقتصادي، عبر 64% من المشاركين عن اعتقادهم بأن الوضع سيء، مقابل 34% فقط وصفوه بالجيد. هذه الأرقام تعكس التحديات الضخمة التي تواجه الحكومة الانتقالية، بما فيها ارتفاع معدلات البطالة واستمرار الأسعار خارج السيطرة، رغم وعود الإصلاح الاقتصادي. ومع ذلك، يرى 59% من المشاركين أن السياسات الاقتصادية للحكومة تعكس تطلعاتهم، ما يشير إلى تفاؤل محدود أو فرصة لإثبات جدارتها في إدارة الملفات المعقدة.


الأمن والسياسة: رضا مشوب بالقلق
فيما يتعلق بالأمن، أعرب 56% عن رضاهم عن مستوى الأمان، بينما اعتبر 42% أن الوضع غير كافٍ، فيما أبدى نصف المشاركين تقريبًا ثقة بقدرة الحكومة على حماية الممتلكات ومكافحة الجرائم والحفاظ على وحدة البلاد. بالمقابل، عبّر 84% عن شعور متفاوت بالخوف والقلق، ما يعكس هشاشة الحياة اليومية رغم تحسن الوضع الأمني.


السياسة شهدت حالة من الانقسام، إذ وصف 57% الوضع السياسي بالجيد مقابل 37% رأوه سيئًا، وأبدى 80% اهتمامًا بالشأن العام بدرجات متفاوتة، ما يشير إلى ارتفاع المشاركة الشعبية بعد عقود من العزوف أو الإقصاء. رغم ذلك، أشار 47% إلى تطبيق القانون بعدالة، بينما رأى 30% أن الحكومة تحابي فئات معينة و12% أن القانون لا يُطبق بعدالة على الإطلاق.


الفساد والسياسة الخارجية: تحديات مستمرة
أجمع 89% على استمرار انتشار الفساد بدرجات متفاوتة، رغم أن 56% رأوا انخفاض مستوياته مقارنة بما كان عليه قبل سقوط النظام. على صعيد السياسة الخارجية، أبدى 61% رضاهم عن التوجهات الدبلوماسية، بينما اعترض 25%، ما يعكس الحاجة لتحقيق توازن بين الداخل المثقل بالأزمات والرهانات الإقليمية والدولية.


الهوية الوطنية والانقسامات الاجتماعية
تُظهر النتائج استمرار الانقسامات الاجتماعية رغم التغيير السياسي، إذ رأى 64% أن السوريين نجحوا بدرجات متفاوتة في الانصهار ضمن بوتقة وطنية واحدة، بينما 12% أكدوا أن هذا الاندماج لم يتحقق على الإطلاق. فيما يتعلق بالعوامل المؤثرة في الهوية الوطنية، اختار المشاركون الثقافة المشتركة (19%)، اللغة العربية (17%)، والعيش على الأرض السورية (10%)، بينما أشارت نسب أخرى أقل إلى الدين والعادات والتقاليد والعروبة.


الجانب الأكثر قتامة يظهر في استمرار خطاب الطائفية والتمييز، حيث ذكر 85% انتشار خطاب الطائفية، و83% وجود تمييز مذهبي وديني، و80% تمييز بين المحافظات، و77% تمييز بين الريف والمدينة. كذلك أقر 84% أن السوريين يصنفون أنفسهم والآخرين وفق انتماءاتهم الدينية والمذهبية، فيما أكد 75% أن هذه الظاهرة لم تتحسن أو ازدادت مقارنة بالماضي.


التحليل
الاستطلاع يرسم صورة مزدوجة: من جهة، هناك شعور متوازن نسبيًا بالاستقرار الأمني والاهتمام بالشأن السياسي، ومن جهة أخرى، القلق الاقتصادي العميق والانقسامات الاجتماعية والطائفية تمثل عقبات كبيرة أمام أي إصلاح حقيقي. الحكومة الجديدة تواجه اختبارًا صعبًا بين تقديم حلول ملموسة للتحديات الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبين الحاجة إلى إعادة بناء الثقة في المؤسسات العامة.


في المحصلة، يشير الواقع السوري الحالي إلى أن الطريق نحو الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ما زال طويلاً، وأن معالجة الانقسامات المجتمعية ومكافحة الفساد وتحسين الاقتصاد هي مفاتيح أساسية لبناء مستقبل مستقر يحقق طموحات الشعب السوري.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 10