بعد مرور عامين كاملين على اندلاع الحرب الأكثر دموية في تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، تكشف تسريبات إسرائيلية أن تل أبيب تقترب من اتخاذ قرار بالغ الخطورة: احتلال شامل لمدينة غزة. الخطة التي عرضها الجيش على المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) تنص على تطويق المدينة تمهيداً لاجتياحها خلال أسبوعين، مع استدعاء نحو 60 ألفاً من قوات الاحتياط. غير أن الوثائق الداخلية للجيش تكشف مفارقة لافتة: تل أبيب تستعد لأوسع عملية برية منذ 1967، بينما تعترف في الوقت نفسه بفشل استراتيجيتها السابقة في غزة.
الفشل الاستراتيجي: اعتراف غير مسبوق
وثيقة داخلية للجيش الإسرائيلي، كشفت عنها وسائل الإعلام، أقرت بأن عملية "عربات غدعون" انتهت إلى فشل ذريع. أخطاء عملياتية بالجملة، غياب رؤية زمنية، واستنزاف للقوات والمعدات دون تحقيق أي حسم سياسي أو عسكري. هذا الاعتراف، وإن بدا موجهاً للاستهلاك الداخلي، يعكس حجم المأزق الإسرائيلي: حرب استمرت شهوراً، كلفت إسرائيل أكثر من عام من القتال والخسائر البشرية والاقتصادية، دون أن تفرض وقائع جديدة على الأرض.
الانقسام داخل الكابينت: صفقة جزئية أم حسم شامل؟
النقاش داخل المجلس الوزاري المصغر كشف عن تباين واضح في المواقف. فبينما رفض معظم الوزراء أي اتفاق جزئي مع حماس، أبدى رئيس الأركان إيال زامير وقادة الأجهزة الأمنية تأييدهم لهذه الصيغة باعتبارها "أهون الشرين". رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تفادى الحسم عبر التصويت، ما يعكس مزيجاً من التردد ورغبة في كسب الوقت.
الكلفة الإنسانية: مجاعة ومجازر متواصلة
بالتوازي مع التحضيرات العسكرية، يتواصل النزيف الإنساني في غزة. أكثر من 100 فلسطيني قُتلوا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية فقط، بينهم 38 قضوا أثناء انتظار المساعدات في محور موراغ. الأمم المتحدة كانت قد أعلنت رسمياً المجاعة في القطاع في 22 أغسطس، مؤكدة أن نصف مليون إنسان يعيشون في "وضع كارثي". الحصيلة الإجمالية للضحايا تجاوزت 63 ألفاً، معظمهم من المدنيين، ما يضع إسرائيل تحت ضغط متزايد في المحافل الدولية.
معضلة الاحتلال: ماذا بعد الاجتياح؟
السؤال الجوهري الذي يتجنبه القادة الإسرائيليون هو: ماذا بعد احتلال غزة؟ هل تستطيع إسرائيل السيطرة على مدينة مدمرة يسكنها أكثر من نصف مليون إنسان في ظروف إنسانية كارثية؟ التجربة التاريخية، سواء في لبنان أو الانتفاضات السابقة، تشير إلى أن الاحتلال المباشر يفتح باب الاستنزاف طويل الأمد. في المقابل، يرى خصوم نتنياهو أن العملية البرية الشاملة ليست سوى محاولة للهروب إلى الأمام وتصدير الأزمة الداخلية.