لبنان بين قرار تاريخي وتحديات معقدة: هل تنجح الدولة في احتكار السلاح؟

2025.09.01 - 02:36
Facebook Share
طباعة

أعاد إعلان وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي عن "حصر السلاح بيد الدولة" النقاش إلى صلب الأزمة اللبنانية المستمرة منذ عقود. القرار الذي وُصف بأنه تاريخي و"طال انتظاره منذ اتفاق الطائف قبل 35 عامًا"، يفتح الباب أمام سؤال جوهري: هل دخل لبنان بالفعل مرحلة بناء دولة القانون والسيادة، أم أن التعقيدات الداخلية والإقليمية ستبقيه في دائرة التجاذبات؟


قرار الطائف المؤجل

منذ توقيع اتفاق الطائف عام 1989، كان بند حلّ حصر السلاح بيد الدولة أحد أهم ركائز التسوية التي أنهت الحرب الأهلية. لكن هذا البند ظلّ معلّقًا بفعل التوازنات الداخلية والوصاية السورية لاحقًا، ثم صعود "حزب الله" باعتباره قوة عسكرية وسياسية تملك شرعية المقاومة ضد إسرائيل. اليوم، يظهر القرار الحكومي وكأنه محاولة لاستعادة ما أهمل طوال عقود.


الإصلاحات والسلاح شرط المساعدات

رجي ربط بشكل مباشر بين أي تدفق مالي دولي نحو لبنان وبين شرطين: تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الجذرية، وحصر السلاح بيد الدولة. هذا الربط يعكس إدراك المجتمع الدولي، بما فيه البنك الدولي وصندوق النقد، أن الأزمة اللبنانية ليست مالية فحسب بل هي سياسية وسيادية أيضًا. وعليه، فإن الدعم الخارجي لن يأتي ما لم تُحسم معضلة ازدواجية القرار السياسي – العسكري.


إسرائيل وسوريا بين الترسيم والانقسام

مع إسرائيل: الوزير شدد على أن الحدود مرسمة منذ اتفاق الهدنة عام 1948، لكنه أشار إلى ضرورة تثبيتها برعاية أممية أو أمريكية، مع ربط أي تقدم بانسحاب تل أبيب من النقاط الخمس المحتلة والإفراج عن الأسرى اللبنانيين.

مع سوريا: الملف مختلف تمامًا، إذ وصفه رجي بأنه "تقني بحت" يحتاج إلى لجان مشتركة. غير أن التعقيد هنا سياسي بامتياز، خصوصًا مع ترقب سياسة "الإدارة السورية الجديدة"، في إشارة ضمنية إلى أن دمشق قد تربط الترسيم بمصالح إقليمية أوسع.

 

لبنان.. أزمة هوية وصراع أيديولوجيات

رجي لفت إلى أن لبنان لا يعيش أزمة سياسية أو مالية فقط، بل أزمة "عقائدية"، حيث تستند بعض القوى إلى أيديولوجيات عابرة للحدود، فيما تقدّم قيادات أخرى مصالحها الفئوية على المصلحة الوطنية. هذا التشخيص يعيدنا إلى جوهر الأزمة اللبنانية: دولة عاجزة عن فرض سيادتها الكاملة في ظل تنازع الولاءات بين الداخل والخارج.

الاستثمارات مشروطة بالاستقرار

الحكومة الحالية، بحسب الوزير، تسعى إلى إعادة تصحيح العلاقات مع الدول العربية، بعدما تضررت بفعل سياسات حكومات سابقة اقتربت من أطراف معادية. لكن عودة الاستثمارات العربية ليست مسألة نيات سياسية فقط، بل ترتبط بالضمانات القانونية والسياسية والأمنية، وهو ما يتطلب إعادة بناء منظومة قضائية ومالية تحمي المستثمر وتمنع الفساد والهدر.

 


هل ينجح القرار؟

التحدي الأول: قدرة الدولة على فرض سيادة القانون على كامل الأراضي، وهو ما يعني مواجهة إما مباشرة أو غير مباشرة مع حزب الله.

التحدي الثاني: ربط الإصلاحات الاقتصادية بالسلاح قد يجعل لبنان أمام خيار قاسٍ: إما استمرار الأزمة المالية أو الدخول في مواجهة داخلية.

التحدي الثالث: الموقف الإقليمي والدولي، إذ أن أي قرار بحصر السلاح لن يُقرأ بمعزل عن الصراع الإيراني – الأمريكي، ولا عن حسابات إسرائيل الأمنية.

 


لبنان منذ استقلاله عام 1943 لم يعرف استقرارًا سياسيًا متصلاً. من الحرب الأهلية (1975-1990) إلى الوصاية السورية (1990-2005)، ثم الانقسامات الحادة بعد اغتيال رفيق الحريري، وصولًا إلى أزمات مالية وانهيار اقتصادي غير مسبوق منذ 2019، بقيت الدولة أسيرة معادلة السلاح والسيادة. كل محاولة لبناء الدولة تصطدم بثنائية "المقاومة والدولة"، وهو ما يجعل القرار الأخير بمثابة اختبار حقيقي لمدى قدرة لبنان على الدخول في مرحلة جديدة.


---

خاتمة

تصريحات وزير الخارجية يوسف رجي تكشف طموحًا لبنانيًا طال انتظاره: دولة تحتكر قرار الحرب والسلم. غير أن الطريق إلى هذا الهدف محفوف بالتحديات، بدءًا من الواقع الداخلي المعقد، مرورًا بالاشتراطات الدولية، وصولًا إلى الصراع الإقليمي. النجاح في هذه المهمة لن يعني إنقاذ لبنان فقط، بل قد يشكل نقطة ارتكاز لاستقرار أوسع في المنطقة. أما الفشل، فسيعيد إنتاج المعضلة ذاتها التي رافقت لبنان منذ عقود: دولة هشة، وسلاح متفلّت، واقتصاد منهار.

 

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 4