الانقسام الإسرائيلي يتسع: هل يدفع ملف الأسرى نحو أزمة حكم؟

2025.09.01 - 02:30
Facebook Share
طباعة

قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو رفض مناقشة صفقة جزئية لتحرير الأسرى كشف عن تصدعات متنامية داخل المؤسسة السياسية والأمنية في إسرائيل، وفتح الباب أمام جدل عميق بين أولوية الحسم العسكري في غزة أو الانخراط في مسار تفاوضي يخفف الضغوط الداخلية والخارجية.


الطرح الذي قدمه رئيس الأركان إيال زامير – الإفراج عن عشرة مختطفين أحياء و18 جثة مقابل وقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا – لم يكن مجرد مقترح إنساني، بل محاولة لتوظيف النافذة الزمنية لصياغة اتفاق أوسع ينهي الحرب ويعيد بقية المحتجزين. غير أن نتنياهو تعامل معه باعتباره تهديدًا لاستراتيجية "الانتصار الكامل" التي يروّج لها منذ بدء الحرب.

المفارقة أن معظم الأجهزة الأمنية، ومعها وزراء من الائتلاف كجدعون ساعر وغميليئيل، أيدوا الخيار التفاوضي، انطلاقًا من إدراكهم أن استمرار العمليات العسكرية دون أفق سياسي يعمّق عزلة إسرائيل الدولية ويزيد كلفة الحرب البشرية والاقتصادية. في المقابل، فإن إصرار نتنياهو على رفض الصفقة يعكس أولويته السياسية الداخلية، إذ يخشى أن يُنظر إلى أي تنازل باعتباره تراجعًا أمام حماس يضعف موقفه أمام معسكر اليمين المتشدد.

هذا الانقسام يعيد إلى السطح سؤالاً استراتيجياً: هل تسعى إسرائيل إلى إدارة الحرب باعتبارها أداة تفاوضية مرنة، أم أنها محكومة بخيار عسكري يراهن على إنهاك غزة بالكامل؟ رفض نتنياهو التصويت حتى على المقترح يعكس ميله للسيناريو الثاني، وهو ما يفسر غضب العائلات التي خرجت إلى الشارع متهمة إياه بـ"التضحية بالمختطفين على مذبح بقائه السياسي".

 

ملف الأسرى يمثل عقدة أساسية في الوعي الإسرائيلي. ففي صفقة جلعاد شاليط عام 2011، قبلت إسرائيل إطلاق أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل جندي واحد، في مؤشر على الثقل الرمزي لهذا الملف. اليوم، تبدو المعادلة أعقد: استمرار الحرب يفرض على نتنياهو خطابًا متشددًا، بينما الضغوط الإنسانية والسياسية تدفع قطاعات واسعة داخل إسرائيل – من العائلات إلى المؤسسة الأمنية – للبحث عن مخرج تفاوضي.

في المحصلة، رفض نتنياهو الصفقة الجزئية قد لا يغلق الباب أمام المفاوضات، لكنه يعمّق الشرخ داخل الكابينت ويزيد عزلة الحكومة أمام الشارع الإسرائيلي، لتتحول قضية الأسرى من ورقة تفاوضية مع حماس إلى اختبار داخلي لشرعية القيادة الإسرائيلية وقدرتها على الموازنة بين السياسة والبقاء.

 


رفض نتنياهو المضي في صفقة الأسرى لا يقتصر على كونه موقفًا داخليًا، بل يحمل أبعادًا إقليمية ودولية معقدة. الولايات المتحدة، التي تلعب دور الوسيط الرئيس، تواجه ضغوطًا متزايدة من إدارة بايدن لإيجاد مخرج سياسي يوقف نزيف الحرب ويمنع انفجار ساحات إقليمية أخرى. استمرار رفض نتنياهو لأي تسوية مرحلية يضع واشنطن في موقف حرج أمام حلفائها العرب، خاصة مصر وقطر، اللتين قادتا جهود الوساطة منذ بداية الأزمة.

كما أن هذا الرفض يعزز الانطباع لدى العواصم الأوروبية بأن إسرائيل تسعى إلى إطالة أمد الحرب لأسباب سياسية داخلية أكثر من كونها أهدافًا أمنية. وهو ما قد يترجم في ضغوط دبلوماسية متصاعدة، سواء عبر مجلس الأمن أو من خلال اشتراطات المساعدات العسكرية.

على المستوى الإقليمي، استمرار الجمود في ملف الأسرى يمنح حماس فرصة لتعزيز روايتها أمام الرأي العام العربي والدولي، بأنها الطرف الأكثر مرونة في التعاطي مع المبادرات، مقابل تصوير نتنياهو كزعيم متشبث بالحرب على حساب المدنيين والأسرى. هذه الصورة تضعف موقع إسرائيل في أي مفاوضات مستقبلية وتقلّص من هامش المناورة الذي كان متاحًا لها في بدايات الحرب.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 4