في ريف حلب الشرقي، تتواصل التوترات بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وسط تبادل اتهامات ومواجهات محدودة على الأرض. الساعات الأخيرة شهدت عدة حوادث أمنية أبرزها محاولة تسلل لقسد قرب قرية تل ماعز، حيث أوقع الجيش مجموعة من عناصرها في كمين محكم. وأكد الجيش أن الاشتباكات بدأت بالأسلحة الخفيفة، ثم استخدمت الأسلحة الثقيلة، مع استقدام تعزيزات لتأمين النقاط المستهدفة، في خطوة اعتبرها الجيش ردعاً لأي هجوم محتمل.
من جهتها، نفت قسد حدوث أي اشتباكات، واصفة ما جرى بأنه "مزاعم إعلامية" و"تضليل"، مؤكدة أن المنطقة لم تشهد أي هجوم من طرفها، وأن ما يُعرض على أنه مواجهات مع الجيش هو في الواقع صراعات محلية داخلية بين فصائل أخرى، تم تضخيمها إعلامياً. هذه الرواية تعكس حالة التضارب الإعلامي بين الطرفين، حيث يسعى كل طرف لتقديم وجهة نظر تخدم مصالحه السياسية والميدانية.
وتزامنت هذه الأحداث مع تقارير إعلامية مقربة من قسد تشير إلى حوادث أمنية أخرى في ريف حلب، منها استهداف مسيرة انتحارية تركية محيط سد تشرين، ما أدى لسماع دوي انفجار دون تسجيل خسائر بشرية. كما اندلعت اشتباكات بين قسد والفصائل على محور دير حافر شرق حلب، استخدمت فيها الأسلحة المتوسطة والثقيلة، وهو ما يعكس استمرار التوتر بين الفصائل المتحاربة في المنطقة.
وبحسب تقارير لوسائل إعلام مقربة من قسد، في الحسكة، شهد محور قرية تل اللبن محاولة تسلل نفذتها القصائل، انتهت بمواجهات مع قوات مجلس تل تمر العسكري، ما حال دون تقدم المهاجمين وأسفر عن إصابة عنصرين على الأقل من الفصائل. هذه الأحداث تشير إلى أن التوتر لا يقتصر على ريف حلب الشرقي، بل يشمل محاور متفرقة في شمال شرقي سوريا، حيث تتشابك مصالح الأطراف المختلفة وتتداخل البعد العسكري مع البعد السياسي المحلي والإقليمي.
هذا التصعيد يأتي في سياق تعثر بعض المفاوضات بين الحكومة السورية وقسد، خصوصاً بعد عدم الالتزام ببنود اتفاق العاشر من آذار، واستمرار قسد في تنظيم فعاليات سياسية تجمع معارضي الحكومة في الحسكة. بينما تؤكد الحكومة السورية على ضرورة التزام قسد بالاتفاقات القائمة، محذرة من أن استمرار أي عمليات تسلل أو استفزازات قد يؤدي إلى "عواقب جديدة".
من الناحية التحليلية، تبدو الأحداث الأخيرة جزءاً من سلسلة من التوترات المتبادلة، حيث يسعى الجيش السوري إلى تعزيز سيطرته على النقاط الحيوية في ريف حلب الشرقي، بينما تحاول قسد والفصائل المتحالفة معها الردع والمناورة على الأرض لإبراز قوتها أو حماية مناطق نفوذها. هذه المواجهات، رغم محدوديتها نسبياً، ترفع من درجة التوتر في المنطقة، وتزيد من المخاوف لدى المدنيين، الذين يجدون أنفسهم وسط تبادل اتهامات متكرر دون وضوح كامل للأهداف الحقيقية لكل طرف.
في المحصلة، تعكس التطورات الميدانية والإعلامية حالة توتر معقدة، يتداخل فيها البعد العسكري مع السياسي والمجتمعي، وسط استمرار اضطراب المشهد الأمني في ريف حلب والحسكة. ومع استمرار هذه المواجهات المحدودة والتهديدات المتبادلة، يبقى الوضع قابل للتصعيد في أي لحظة ما لم تتضح التزامات الأطراف كافة تجاه الاتفاقات المبرمة.