نتنياهو يطرح سيادة جزئية في غور الأردن: مناورة سياسية أم خطوة نحو الضم الكامل؟

2025.09.01 - 12:17
Facebook Share
طباعة

في خطوة تكشف عن تحولات داخلية في المشهد السياسي الإسرائيلي، ذكرت صحيفة يسرائيل هيوم أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بالتنسيق مع وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، يعمل على صياغة خطة لفرض سيادة إسرائيلية "جزئية" في الضفة الغربية تقتصر على منطقة غور الأردن.

ورغم أن العديد من الوزراء كانوا يتوقعون توسيع الخطة لتشمل مناطق أوسع من الضفة، إلا أن مقترح نتنياهو يبدو أقرب إلى مناورة تكتيكية تراعي موازين القوى الإقليمية والدولية، مع إبقاء الباب مفتوحًا أمام خطوات لاحقة أوسع. ديرمر، من جهته، رأى أن هذه الخطوة يمكن أن تحظى بقبول الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، ما يمنحها غطاءً سياسيًا دوليًا محدودًا، ولو بشكل غير معلن.


الملف الفلسطيني مؤجل

الاجتماع الأمني – السياسي الذي عقده نتنياهو مساء الأحد حمل رسائل واضحة حول أولويات الحكومة الإسرائيلية. فقد انصبّ النقاش على الخطط العسكرية في غزة، بما في ذلك سيناريوهات تصعيد ميداني محتمل، بينما جرى تجاوز ملف صفقة تبادل الأسرى، رغم الضغط الشعبي المتزايد من عائلات الأسرى الإسرائيليين. هذا التجاهل لا يعكس فقط غياب أي تقدم في المفاوضات مع حماس، بل يكشف أيضًا عن هيمنة الاعتبارات العسكرية والأمنية على القرار السياسي في إسرائيل، حيث يتم التعامل مع غزة كملف طارئ وملح، بينما يُدفع الملف الفلسطيني الأوسع – بما فيه المفاوضات أو القضايا الإنسانية – إلى الهامش.

 

مناورة داخلية

طرح فكرة السيادة الجزئية في غور الأردن يأتي كخيار براغماتي من جانب نتنياهو، الذي يسعى لامتصاص ضغوط اليمين القومي والديني المطالب بخطوات ضم شاملة. عبر الاكتفاء بطرح محدود، يحاول نتنياهو تحقيق توازن دقيق بين تلبية جزء من توقعات قاعدته اليمينية والحفاظ على قدر من المرونة أمام الضغوط الدولية. هذه المناورة تكشف عن مأزق داخلي يعانيه نتنياهو: فهو بحاجة إلى تثبيت موقعه أمام شركائه في الائتلاف الحاكم، وفي الوقت ذاته حريص على عدم الانزلاق إلى مواجهة سياسية مباشرة مع العواصم الأوروبية التي ترفض أي تغيير أحادي للوضع القانوني في الضفة الغربية.

 


وبحسب ما نقلته صحيفة يسرائيل هيوم عن مسؤول حكومي رفيع، فإن أي خطوة لفرض السيادة – حتى لو اقتصرت على غور الأردن – ستُنظر إليها من جانب الاتحاد الأوروبي وكأنها ضم كامل للضفة الغربية. هذا التقدير يعكس إدراكًا إسرائيليًا مسبقًا لحجم العزلة الدولية المحتملة. فعلى الرغم من أن نتنياهو يعوّل على تفاهمات مع واشنطن، وربما على دعم محدود من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فإن ردود الفعل الأوروبية المتوقعة قد تشمل فرض عقوبات سياسية أو اقتصادية، أو على الأقل تجميد اتفاقيات التعاون. وفي السياق ذاته، تبقى السلطة الفلسطينية والأردن أبرز المعارضين لهذه الخطوة، نظرًا لما يحمله ضم غور الأردن من تهديد مباشر لمشروع الدولة الفلسطينية وللاتفاقيات القائمة بين عمّان وتل أبيب.


بالنسبة للسلطة الفلسطينية، يُنظر إلى أي خطوة إسرائيلية في غور الأردن على أنها تقويض مباشر لإمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا، إذ إن المنطقة تمثل الحدود الشرقية للدولة المنشودة، والسيطرة الإسرائيلية عليها تعني عمليًا حصار الكيان الفلسطيني داخل كانتونات معزولة. ومن المتوقع أن ترفع القيادة الفلسطينية من خطابها السياسي في المحافل الدولية، مطالبة بقرارات أممية عاجلة لوقف ما تعتبره "ضمًا زاحفًا".

أما الأردن، فالمسألة تتجاوز البُعد الفلسطيني لتلامس الأمن القومي المباشر. غور الأردن يمثل عمقًا استراتيجيًا للمملكة، وأي سيادة إسرائيلية دائمة هناك قد تفتح الباب لتوترات أمنية وعسكرية على حدودها الغربية. إضافة إلى ذلك، يخشى الأردن أن يتحول الضم إلى خطوة تمهيدية لدفع الفلسطينيين نحو أراضيه، وهو ما يُعرف في الخطاب الأردني بـ"خيار الوطن البديل"، الذي تعتبره عمّان تهديدًا وجوديًا لكيانها السياسي. ومن المرجح أن يقود ذلك إلى تصعيد في الخطاب الأردني، وربما تحركات دبلوماسية نشطة على مستوى الجامعة العربية والأمم المتحدة.


غور الأردن يمثل شريطًا استراتيجيًا يمتد على طول الحدود الشرقية للضفة الغربية مع الأردن، وتعتبره إسرائيل "حاجزًا أمنيًا" حيويًا منذ احتلاله عام 1967. وعلى مدى عقود، ظل هذا الملف حاضرًا في المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، حيث ترفض السلطة الفلسطينية أي سيطرة إسرائيلية دائمة عليه، وتعتبره جزءًا لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقبلية.

في السنوات الأخيرة، أعاد نتنياهو أكثر من مرة طرح مسألة فرض السيادة على غور الأردن، خصوصًا في أجواء الانتخابات، كأداة لكسب أصوات اليمين، إلا أن الموقف الأمريكي والدولي ظلّ حجر عثرة أمام تنفيذه. ورغم أن إدارة ترامب كانت أقرب إلى الاعتراف بمثل هذه الخطوة، إلا أن الإدارات اللاحقة عادت لتشدد على رفض أي ضم أحادي.


تبدو خطة السيادة الجزئية في غور الأردن أقرب إلى اختبار للمواقف الدولية والإقليمية منها إلى خطوة نهائية. لكن التجربة الإسرائيلية مع ملفات الضم السابقة تشير إلى أن "الجزئي" قد يكون مجرد تمهيد لتوسيع تدريجي. وإذا ما مضى نتنياهو في هذه الخطة، فإنها قد تفتح جبهة سياسية جديدة تزيد من عزلة إسرائيل على الساحة الدولية، في وقت يشتعل فيه الوضع الميداني في غزة ويتفاقم الصراع مع الفلسطينيين على أكثر من جبهة.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 9