في مشهد يعكس أزمة الهوية داخل الخريطة الحزبية الإسرائيلية، أعلنت شّارن هاسكل، نائب وزير الخارجية وعضو حزب "أمل جديد"، أنها باتت تشعر بأنها "مشردة سياسيًا"، بعدما رفضت العودة إلى صفوف حزب الليكود رغم الاندماج الرسمي لحزبها معه. موقف هاسكل يسلط الضوء على التصدعات العميقة التي تضرب اليمين الإسرائيلي، وعلى احتدام الصراع بين التيارات القومية الليبرالية من جهة، واليمين الديني المتشدد من جهة أخرى.
ترفض هاسكل العودة إلى الليكود رغم أنها نشأت سياسيًا داخله، معتبرة أن الحزب لم يعد يمثّل المبادئ القومية والليبرالية التي تربت عليها. فالليكود، في نظرها، تماهى مع أجندات الحريديم والمتدينين القوميين، وأصبح أسير نزعة سلطوية تفتقد إلى رؤية اقتصادية حديثة، الأمر الذي يضعف جاذبيته لدى شريحة الناخبين "اليمينيين الليبراليين" الذين تسعى هي إلى تمثيلهم.
قرارها هذا يعكس أيضًا فشل مشروع "أمل جديد" بقيادة غدعون ساعر في إيجاد موطئ قدم مستقل داخل السياسة الإسرائيلية، بعد أن انتهى الحزب إلى الاندماج في الليكود تحت وطأة الحسابات الانتخابية والضغوط الداخلية. لكن في المقابل، يكشف تمرد هاسكل عن بحث متجدد داخل أوساط اليمين عن بديل ثالث يوازن بين الليبرالية الاقتصادية والتشدد الأمني دون الارتهان لتحالفات دينية أو شعبوية.
تصريحاتها بأن "السياسة في إسرائيل تحولت إلى لعبة شخصية وقطاعية" تعكس أزمة أوسع: غياب الإطار الجامع القادر على بناء تحالفات عابرة للانقسامات الاجتماعية. وهو ما قد يدفع شخصيات مثل هاسكل إلى التفكير في انخراط ضمن مشاريع سياسية جديدة، سواء مع شخصيات مثل نفتالي بينيت أو أفيغدور ليبرمان، أو حتى عبر تشكيل إطار مستقل يستهدف "الطبقة الوسطى العاملة" ذات الميول القومية.
هاسكل التي تركت الليكود في 2020 احتجاجًا على انحرافه عن قيم مؤسسيه، تجد نفسها اليوم أمام مأزق وجودي: البقاء في حزب اندمج بالليكود الذي ترفضه، أو البحث عن موقع جديد داخل يمين مأزوم يعيد تشكيل نفسه بعد صدمات حرب غزة وما تبعها من ارتباك سياسي. قصتها ليست حالة فردية، بل مرآة لتحولات داخلية قد تعيد رسم حدود اللعبة السياسية في إسرائيل، حيث يتقاطع مستقبل اليمين بين ليبرالية تتلاشى وصعود متواصل للقوى الدينية والقطاعية.
انعكاسات على مستقبل اليمين
خطوة شّارن هاسكل لا يمكن قراءتها كخلاف شخصي مع نتنياهو أو مع مسار الليكود وحده، بل كجزء من أزمة أعمق يعيشها اليمين الإسرائيلي في لحظة تاريخية حرجة. فالحرب في غزة وما أفرزته من انقسامات داخلية كشفت محدودية قدرة الليكود على لعب دور الحزب الجامع. اليمين التقليدي بات موزعًا بين ثلاث كتل:
الليكود المتمحور حول نتنياهو وتحالفاته مع الحريديم والمتدينين القوميين.
اليمين الشعبوي المتشدد ممثلًا في سموتريتش وبن غفير، الذي يحاول فرض أجندة أكثر تطرفًا على الحكومة.
اليمين الليبرالي – القومي الذي ترى هاسكل نفسها جزءًا منه، ويبحث عن إطار بديل يجمع بين أمن صارم واقتصاد حر دون التبعية لقطاع ديني أو أيديولوجي ضيق.
بهذا المعنى، فإن إعلانها "التشرّد السياسي" هو محاولة لتسليط الضوء على فراغ سياسي يتسع مع تراجع ثقة الشارع في الليكود، ومع فشل المعارضة في تقديم بديل حقيقي. وقد يشكّل هذا المناخ فرصة لولادة تشكيلات جديدة تعيد رسم ملامح اليمين وتنافس على موقع القيادة في إسرائيل ما بعد الحرب.