من الزعامة الروحية إلى قفص الاتهام: فضيحة هزّت الحريديم في إسرائيل

تل أبيب- وكالة أنباء آسيا

2025.09.01 - 07:32
Facebook Share
طباعة

أثار اعتقال الحاخام الحريدي البارز حاييم يوسف أبرجيل صدمة عنيفة داخل الأوساط الدينية والسياسية في إسرائيل، ليس فقط لخطورة التهم الموجهة إليه باستغلال قاصرات لا تتجاوز أعمار بعضهن 12 عامًا، بل لأن القضية تكشف عن تصدع عميق في العلاقة بين السلطة الدينية المغلقة ومؤسسات إنفاذ القانون، اعتقاله في 31 أغسطس 2025 وضع المجتمع الحريدي أمام اختبار عسير بين واجب حماية الأطفال وبين التقاليد القديمة التي طالما دفعت إلى الصمت والتستر.

كما أن القضية تضع مؤسسات إنفاذ القانون في مواجهة مباشرة مع منظومة نفوذ اجتماعي–ديني مترسخة، وتعيد فتح ملف “التستّر” داخل البيئات الدينية؛ وكل ذلك على وقع تشققات سياسية داخل التيار الحريدي نفسه حول التجنيد والعلاقة مع الدولة.

 

صدمة مزدوجة: الدين والسياسة

أهمية أبرجيل لا تكمن في موقعه الديني فقط، كونه ابن الحاخام الشهير يورام أبرجيل ومؤسس شبكة مدارس "بني يوسف"، بل أيضًا في مشروعه السياسي المستقل الذي شكّل تحديًا مباشرًا لحزب شاس الحريدي، عبر تأسيس حزب "Mayim Chaim" الداعم لفكرة تجنيد الحريديم في الجيش الإسرائيلي. هذا البروز المزدوج جعله شخصية استثنائية داخل الطيف الحريدي، وبالتالي فإن سقوطه المدوي يترك ارتدادات تتجاوز حدود الفضيحة الجنائية إلى أبعاد سياسية واجتماعية واسعة.

مواجهة «التستر» داخل المجتمع الحريدي

تاريخيًا، عُرف المجتمع الحريدي بتمسكه بمبدأ "المسيرة – Mesirah" الذي يعتبر إبلاغ السلطات المدنية عن الجرائم الداخلية نوعًا من الخيانة. غير أن تصاعد قضايا الاعتداء على القاصرين دفع حاخامات بارزين إلى إعادة تفسير هذا المبدأ، مؤكدين أن حماية الأطفال واجب شرعي وديني. اعتقال أبرجيل يمثل محطة جديدة في هذا الجدل، ويطرح سؤالًا: هل ستجرؤ القيادات الدينية على كسر جدار الصمت نهائيًا، أم ستظل تخشى اهتزاز مكانتها أمام أتباعها؟

رسائل إلى الدولة العبرية

القضية تحمل أبعادًا سياسية داخلية لإسرائيل. فمن جهة، تؤكد السلطات أنها لن تتردد في ملاحقة شخصيات نافذة مهما كانت مكانتها الدينية. ومن جهة أخرى، فهي تكشف هشاشة التوازن بين الدولة العلمانية الحديثة وبين الطيف الديني المتشدد الذي يشكل كتلة انتخابية صلبة. سقوط أبرجيل قد يعيد تشكيل خريطة التحالفات داخل المعسكر الحريدي، وربما يضعف مشروعه السياسي الذي أراد أن ينافس شاس على تمثيل الحريديم.

بين أبرجيل وبرلاند

القضية ليست الأولى من نوعها. فقد سبقتها فضيحة إليعازر برلاند الذي أدين بتهم اعتداء جنسي وفرّ من العدالة قبل أن يعود ويُحاكم. اليوم، يظهر أبرجيل في موقع مشابه، ما يطرح تساؤلًا عميقًا: هل نحن أمام نمط متكرر يكشف أن السلطة الدينية المغلقة تُنتج حالات استغلال منظمة؟ أم أن هذه القضايا، برغم خطورتها، استثناءات يجري تضخيمها؟


على مستوى الوقائع الفورية: يشتبه بأن أبرجيل استغل موقعه وتأثيره الروحي على فتيات قاصرات، مع توقيف مساعد للاشتباه بـالتلاعب بالشهود. وتفيد تغطيات عبرية بأن التحقيق بدأ في محطة بئر السبع قبل أن يُنقل إلى وحدة متخصصة في لواء الجنوب، وأن الشرطة طلبت تمديد الاعتقال لثمانية أيام لكن المحكمة اكتفت بأربعة أيام. وتُسند إليه سلّة اتهامات واسعة: أفعال مخلة بالآداب، أفعال مخلة بالقوة أو التهديد، إعاقة تحقيق، ابتزاز بالتهديد، وتحرش جنسي. كما تتحدث تقارير عن ثلاث شكاوى على الأقل حتى توقيت النشر. هذه التفاصيل ترسم إطارًا جنائيًا شديد الخطورة وتلمّح إلى احتمالات ضغط اجتماعي من الحلقة المحيطة بالمتهم لثني المشتكيات.

ثانيًا، على مستوى السياسة داخل الحقل الحريدي: أهمية أبرجيل تتجاوز دوره الديني؛ فقد برز في الأعوام الأخيرة كصوت منفصل عن شاس على خلفية الجدل حول تجنيد الحريديم، وهو ما جعله لاعبًا سياسيًا محتملاً داخل توازنات المعسكر الحريدي. لذلك، فارتدادات الاعتقال لن تقف عند حدود السمعة الشخصية، بل قد تعيد رسم اصطفافات انتخابية ومؤسساتية داخل التيار، وتضع “شاس” ومنافسيه أمام اختبار قيادة وأخلاق عامة في البيئة الناخبة الحريدية. إن سقوط شخصية ذات حضور اجتماعي وتعليمي–دعوي يضاعف أثر الصدمة ويخلق فراغًا تنظيميًا في شبكات النفوذ المحليّة (المدارس والحلقات الدينية والأنشطة الخيرية).

في سياق “جدار الصمت” وفتوى الإبلاغ: تاريخيًا، لعبت حساسية مفهوم “المسيرة” (Mesirah)—الامتناع عن اللجوء للسلطات المدنية ضد أبناء الجماعة—دورًا في إبطاء الإبلاغ عن الاعتداءات داخل المجتمعات المغلقة. غير أن تراكم الفضائح خلال السنوات الأخيرة، منها قضايا طالت رموزًا نافذة في بني براق وغيرها، خلق تحوّلًا تدريجيًا في خطاب فقهاء نافذين باتجاه اعتبار حماية القاصرين واجبًا شرعيًا وإجازة التعاون مع الشرطة في جرائم الاعتداء. قضية أبرجيل تُختبر ضمن هذا المنعطف: مدى استعداد القيادات والمؤسسات الحريدية لقطع العلاقة مع ثقافة التستّر، وتحصين الضحايا من الضغط الاجتماعي. هذا التحول برز أيضًا في قضايا حديثة هزّت الشارع الحريدي ودفعت الشرطة ووسائل الإعلام إلى كسر المحظورات التقليدية في التغطية والتعريف بالمتهمين.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 10