شهدت الساحة الفلسطينية صدمة جديدة مع إعلان إسرائيل رسمياً مقتل «أبو عبيدة»، المتحدث العسكري لكتائب القسام، بعد أن كانت تل أبيب تحاول اغتياله منذ أكثر من 15 عاماً دون نجاح.
ما يجعل هذه الحادثة أكثر جدلية هو أنه خلال الحرب الأخيرة اختفى أبو عبيدة عن الأنظار، محافظاً على مستوى عزلة أعلى من كبار قيادات حماس، جعل مصيره لغزاً حتى إعلان مقتله رسمياً.
أبو عبيدة، أو حذيفة كحلوت باسمه الحقيقي، برز كمتحدث عسكري رسمي لحماس منذ عام 2004، وكان اسمه مرتبطاً بأبرز العمليات العسكرية والسياسية للحركة، بما في ذلك إعلان اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، خلال الأعوام الماضية، أصبح رمزاً في العالم العربي، حيث انتشرت ملصقاته ورسومات الغرافيتي في عدة دول، واعتُبر جزءاً من الحرب النفسية التي تخوضها حماس ضد إسرائيل.
التاريخ العسكري لأبو عبيدة يظهر محاولات إسرائيل المتكررة لتصفية قيادات القسام، فقد حاولت تل أبيب القضاء عليه في ثلاث مناسبات خلال 15 عاماً، لكن مهاراته في التخفي وفهمه العميق للحرب النفسية، بالإضافة إلى وجود خلفاء مدربين، ساعدته على النجاة مرات عدة، حتى الغارة الأخيرة التي أعلنت إسرائيل أنها نجحت أخيراً فيها.
يأتي مقتله ضمن استراتيجية إسرائيل المستمرة منذ بداية الحرب على غزة قبل 23 شهراً، والتي ركزت على تصفية قيادات الصف الأول في حماس، بما في ذلك إسماعيل هنية، يحيى السنوار، محمد الضيف ونائبه مروان عيسى. هذه العمليات الممنهجة أدّت إلى إضعاف البنية القيادية للحركة، لكنها لم توقف المقاومة، التي واصلت الرد بصواريخ ومسيرات محدودة، ما يعكس استمرار قدرة التنظيم على إدارة حرب غير متماثلة.
يعكس اغتياله سياسة إسرائيلية قائمة على ضرب قيادات الخصوم أينما كانوا، ونقل اجتماعات الحكومة الأسبوعية إلى مواقع بديلة آمنة يظهر الحرص على الموازنة بين الأمن الداخلي والردع الخارجي.
مقتل أبو عبيدة لا يمثل مجرد عملية عسكرية محدودة، بل يعكس استمرار سياسة استهداف القيادات الفلسطينية العسكرية، مع محاولة إضعاف قدرة حماس التنظيمية والفكرية، وسط ترقب للرد الفلسطيني القادم، الذي قد يعيد رسم موازين الصراع في الأسابيع المقبلة.
كما يبين تاريخ كيف يمكن للقيادات الفلسطينية البارزة أن تصبح رموزاً استراتيجية وسياسية تتجاوز دورها العسكري، وتصبح جزءاً من الهوية والمقاومة الفلسطينية.