جدل "الورقة الأميركية".. اشتعال سياسي في بيروت

رامي عازار

2025.08.31 - 03:09
Facebook Share
طباعة

 لم يكد اللبنانيون يستوعبون التصريحات التي أطلقها نائب رئيس الحكومة في مقابلة تلفزيونية حتى اشتعلت الساحة السياسية والإعلامية بجدل واسع، تجاوز حدود النقاش الاعتيادي ليصل إلى مستوى المطالبة باستقالته من منصبه.


فقد فسّر كلامه على أنه إعلان سقوط المبادرة الأميركية المعروفة بـ"ورقة براك"، الأمر الذي دفع إلى حملة انتقادات حادة اعتبرها كثيرون خروجًا عن التوجهات الرسمية للحكومة. وعلى الرغم من محاولته التوضيح لاحقًا بأن العبارة لم تصدر عنه شخصيًا، بل وردت على لسان المحاورة، فإن ذلك لم ينجح في تهدئة الغضب المتصاعد.


رئيس الحكومة سارع إلى التدخل محاولًا لملمة التداعيات، فأكد أن لبنان لم يلتزم بالنص الأميركي بحرفيته، بل بأهداف الورقة بعد إدخال تعديلات لبنانية عليها، وأن هذه الأهداف لا تزال ثابتة في البيان الوزاري وموضع التزام رسمي. وبذلك أعاد سلام تأكيد أن قرار حصر السلاح بيد الدولة لا يرتبط بأي مبادرة خارجية بل ينبع من رؤية وطنية لبناء دولة قوية بجيش واحد وسلطة موحدة.


تضارب في المواقف
في المقابل، وجد نائب رئيس الحكومة نفسه في مواجهة هجوم متعدد الجبهات. سياسيون وإعلاميون وناشطون شنّوا حملة عنيفة عليه على مواقع التواصل الاجتماعي، متهمينه بالتخلي عن التزامات الحكومة ومقررات مجلس الوزراء. البعض ذهب إلى حد المطالبة بإقالته أو طرح الثقة به، معتبرين أن مواقفه تنسجم أكثر مع خطابات معارضة للحكومة لا مع الخط السياسي الذي أقرّته جلسات الحكومة الأخيرة.


ردود فعله عبر منصة "إكس" لم تُقنع خصومه. فبينما شدد على أن تصريحاته أسيء فهمها أو قُطعت من سياقها، كان منتقدوه يعيدون بث المقطع التلفزيوني الذي يظهر فيه وهو يصف المبادرة الأميركية بأنها بلا قيمة. هذا التناقض فتح باب التشكيك في نواياه السياسية وأثار تساؤلات عن موقعه الحقيقي داخل الفريق الحكومي.


جلسة مرتقبة وحساسة
كل هذه التطورات جاءت قبل أيام من جلسة مجلس الوزراء التي يُنتظر أن تشهد نقاشًا دقيقًا حول آليات تنفيذ قرار حصر السلاح. مصادر سياسية تشير إلى أن هذه الجلسة قد تكون مفصلية في تحديد تماسك الحكومة أو اهتزازها، خصوصًا أن الملف يلامس جوهر التوازنات الداخلية ويرتبط بملف العلاقات اللبنانية – الدولية.


التخوف الأكبر لدى الأوساط الشعبية والسياسية هو أن تتحول الانقسامات الكلامية إلى خلافات داخل مجلس الوزراء، وهو ما قد يضعف قدرة الحكومة على التقدم في الملفات الاقتصادية والمعيشية الملحّة. ورغم ذلك، يؤكد رئيس الحكومة أن الحوار سيبقى سيد الموقف وأن القرارات ستُتخذ بالتوافق بعيدًا عن أي تصعيد قد يهدد الاستقرار.


البعد الدولي
في المشهد الأوسع، تعكس الأزمة حساسية الموقف اللبناني أمام المبادرات الدولية. فالورقة الأميركية، رغم ما رافقها من رفض إسرائيلي، شكّلت بالنسبة للبعض مظلة سياسية لدعم مسار استعادة الدولة سيادتها على أراضيها وحصر السلاح بيدها. لكن الانقسام حولها داخل الحكومة أضعف الثقة بقدرة لبنان على التحدث بصوت واحد أمام المجتمع الدولي.


هذه الازدواجية في المواقف، بين الالتزام بأهداف الورقة وتبرؤ البعض منها، تطرح تساؤلات حول إمكانية استثمار الدعم الخارجي للبنان إذا لم يُحسم الموقف داخليًا. كما أنها تعطي إشارات مقلقة إلى العواصم العربية والغربية المهتمة باستقرار لبنان وإصلاح مؤسساته.


حملة على وسائل التواصل
على الصعيد الشعبي، تحولت القضية إلى مادة دسمة على وسائل التواصل الاجتماعي. وسوم عديدة انتشرت، بعضها يهاجم نائب رئيس الحكومة بشدة ويطالبه بالرحيل، وبعضها الآخر يدافع عنه باعتباره عبّر عن واقع أن المبادرة الأميركية لم تحقق أي نتيجة ملموسة. إلا أن الغالبية بدت غاضبة من التناقض في التصريحات، معتبرة أن المرحلة لا تحتمل ارتباكًا سياسيًا من هذا النوع.


موقف وزارة المالية
في خضم هذه الضوضاء السياسية، وجد وزير المالية نفسه أيضًا في قلب حملة استهدفت مواقفه. فصدر بيان عن مكتبه الإعلامي يؤكد أن كثيرًا مما يُنشر منسوبًا إليه هو مفبرك أو مجتزأ ولا يعكس موقفه الحقيقي. البيان شدد على تمسكه باستعادة الدولة سيادتها على أراضيها ورفض أي تبرير للاعتداءات الإسرائيلية، معتبرًا أن محاولات التشويه الإعلامي لن تغيّر من الحقائق.


نحو أي اتجاه؟
الجدل الذي تفجر بسبب تصريح واحد يكشف هشاشة الوضع السياسي اللبناني، حيث يمكن لعبارة عابرة أن تتحول إلى أزمة تهدد تماسك الحكومة. وفي الوقت الذي تتطلع فيه القوى الدولية إلى موقف لبناني موحد، يظهر المشهد الداخلي منقسمًا ومربكًا.


ومع اقتراب الجلسة الحكومية المرتقبة، تبقى الأنظار شاخصة إلى ما إذا كانت الحكومة ستنجح في تجاوز هذه العاصفة والخروج بقرارات واضحة، أم أن الانقسامات ستتعمق أكثر، ما يفتح الباب أمام أزمة سياسية جديدة في بلد اعتاد الأزمات.


في كل الأحوال، يبقى التحدي الأساسي هو كيفية الحفاظ على وحدة الصف الحكومي، وضمان أن لا تتحول الخلافات الشخصية والسياسية إلى ثغرة تُضعف الموقف الوطني في لحظة حساسة تحتاج فيها البلاد إلى أقصى درجات التماسك والتعاون.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 1